في سورة طه
قال الله سبحانه : (فَرَجَعْناكَ) [طه : ٤٠] يا موسى : (إِلى أُمِّكَ) [طه : ٤٠].
: أي إلى التراب الذي حقيقته المسكنة ، والسكون ، والسكوت.
وكذلك رددناك يا موسيّ القلب إلى أصلك الذي هو الروح ، وشأنه الفناء في المعرفة ، والانقطاع عن تعلّقات الذات والصفة.
وقوله عزوجل : (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) [القصص : ٤٠].
قر العين هنا إشارة إلى قرار الذات.
فإن الأصل لا يستقر إلا بجذب الفرع إليه ، وكذا الفرع لا يزال يبكي إلى أن يدخل تحت ذيل الأصل ، فالكل قالبا وقلبا ينجذب إلى ما يشاكله.
وفيه إشارة إلى أن الإقبار المفهوم من قوله تعالى : فأقبره رمز إلى دخول الفرع في الأصل ، وحصول الجمع بعد الفرق ، وأي لذّة أعظم منها ، فلا تخف من التراب ، وسره الذي هو الفناء ، فإن انضمامك إليه قرير عين لك.
وقوله عزوجل : (وَلا تَحْزَنَ) [القصص : ٤٠].
تأسيس في صورة التأكيد ، فإن قرار العين إشارة إلى سكون القالب ، وعدم الحزن إشارة إلى راحة الروح.
فالحزن من صفات الروح ؛ وهو من المقامات العالية في الحقيقة ، وعليه جرى الأنبياء والأولياء ، فإن قلت : فإذا كان الحزن من المقامات العالية ، فما معنى نفيه؟ قلت : إن الإنسان الكامل محزون وغير محزون.
أمّا عدم حزنه : فلأنه لم يفت عنه شيء من المقامات ؛ بل قد وصل إلى ذروة الحالات والكمالات.
وأمّا الحزن : فلأنه من أحكام البشرية ، والروح في ذلك تابع للقالب ، فإن القالب له حجابية في الجمل ، وإن تلطّف فوق الغاية ؛ ولذا ترى أكمل الناس في كل عصر محترقا أشدّ الاحتراق مع أنه في عين الوصل لا يزال يشرب من كأس الجمع العذاب البارد.
وتدّبر في قوله تعالى : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤].