الأكملية إنما هي في تلك الرزانة الحقيقة التي من تحمّل الأمانة الكبرى.
وقد أشار إليها بقوله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اقض عني ديني» (١) ؛ لأنه يقال : ركبه الدّين ، ولا شك أن المركوب تحت ثقلة الراكب ، فكلّما الخط أكمل من المركب وانحلّ حصل له الخفّة والنشاط ، وكذا كلّما قضي الدين ؛ جاء النشاط.
ولا شك أن الأمانة الكبرى ؛ هي التي لم يحملها السموات والأرض والجبال ، وأشفقن منها ، وحملها الإنسان ؛ فهو حامل لتلك الأمانة الثقيلة أبدا ، وفيه كمالها أكملية ، فهو حين يطلب خفّة ؛ كخفّة الذّرة ؛ فيقول له الذّرة : أين أنت من الفهم؟
إنك تطلب خفّتي ، وأنا أطلب ثقلتك ، وقد امتلأت بك السماوات والأرض ، وأمّا أنا فوجودي الموهوم لا يسدّ شيئا أصلا ، فلا كمال لي قطعا.
وذلك أن كل ذرة ، وإن كان فيها ما في الكل ؛ لكن ذلك فيه بالقوة لا بالفعل ، وإلا لكان مساويا مع الإنسان في الدرجة.
وإمّا أن يطلب الإنسان كونه ؛ كطير على شجر ، أو كشجر على رأس جبل ، أو نحو ذلك ، فذلك إنما هو من ضجرته البشرية الواقعة في بعض الأحيان ، وأسبابها كثيرة ، وإلا فهو يعرف ان الإنسان أكبر قدرا من سائر الموجودات ، وأعلى شأنا من جميع الكائنات ، وان من يموت في صباوته حين ما كان معصوما عن المعاصي ؛ ليس بأفضل من الذي يموت بعد البلوغ إلى الكمالات بالفتح في مدته ، وإن كان قد يعرض له بعض الزّلّات ؛ فذلك معفو منه ومغفور ، وسعيه في طلب الحق مشكور.
فعليك أيها الولد بطريق الكبار البالغين إلى غاية الغايات ، لا بطريق الصغار القاصرين في تكميل المراتب والدرجات ، وقل عند وقوع الزّلّات كما قال أبوك قبلك : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الأعراف : ٢٣] ، فإنه يغفرك ويسترك بنوره ، ويزيل عنك الظلمة بتجليه وظهوره.
ومما قررنا يعرف أن الوقار الظاهر مما يرغب فيه أيضا ؛ لأنه من آثار الوقار الباطن ، فإذا تمكّن الوقار الباطن في القلب من تحمّل الأمانات ، والتحقق باحكام
__________________
(١) تقدم تخريجه.