في أواخر سورة الكهف : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) [الكهف : ١٠٥].
نفى هنا أن يكون لهم الوزن يوم القيامة ، وأثبت في قوله : والوزن يومئذ الحق ؛ لأن المقصود من نفيه بيان ألا يكون لهم قدر عند الله كما للمؤمنين ، وهو لا ينافي الوزن في الحقيقة دلّ عليه أنه تعالى حكم بكون الوزن حقا : أي ثابتا ، والثبات إنما يكون بالرزانة والثقل ؛ وهو لا يكون إلا للمؤمنين ، فمن ثقلت موازينه ؛ فله وزن عند الله ومقدار ، من خفّت موازينه ؛ فلا قدر له عند الله تعالى ؛ لأن القدر إنما هو بالاعتقاد والعمل ، وقد عدمهما الكفار.
واعلم أن الإنسان في أول حاله يطلب أن يكون كالذّرة المرئية في شعاع الشمس عند انعكاسه من الكوة ، فإن وجوده ، وإن كان وجودا موهوما في الحقيقة ؛ فإنه خيال وظل بالنسبة إلى الوجود الحقيقي ؛ لكنه لمّا تعيّن بتعينات مختلفة ؛ حصلت له منه الثقلة الطبيعية والبشرية ، والكثافة الجسمانية الصورية ، ورزانة التعلّقات الكونية المعنوية المانعة عن الحركة من الحضيض إلى الأوج ، فهو دائما يطلب خفّة ، كخفّة الذّرة ، والخلاء لا من التركيب والتعلّقات ؛ ليتم له أمر التجريد (١) والتفريد (٢) ، فيكون من المفردين السابقين ، ثم أزال الأمر إلى هذه الخفّة بالغناء التام ، وتأدّية الأمانات إلى أهلها ، وحصلت الثقلة بالبقاء ، والتلبّس باللباس الحقاني زال الطلب المذكور ؛ لأن
__________________
(١) قال سيدي علي وفا : التجريد الوجودي التحقيقي إيجابي ، والتجريد البياني اختياري ، فلا تطلب في الأول ما تطلب في الثاني من مقارنة القصد والتعمل ، وقس على هذا كل أمر وقع في دائرة الإيجاب تارة ، وفي دائرة الاختيار أخرى ، ولكل مقام مقال ، ولكل مجال رجال.
(٢) قال سيدي محمد وفا : التفريد هو صفة توجب تمييزا لا يصح حكم الاشتراك فيما بين المتغايرين ؛ لنفي المماثلة في صفات نفس ، أو هو تميز بسلوب من كل واجب للتمييز في المراتب ، فتميزه سلب التمييز ، ولا يقال على موصوفه : موصوف بزيادة ؛ لما فيها من فحوى الثنوية وإن لم يكن تكثيرا في الذات ، بشرط إثبات وجود خارجي ، فهو كثرة معقولة في داخل الذهن ، وتصور الخارج مجاز كل شيء ، فلا يقال بالذات ؛ لأنه لا يقدر صفة نفسه إلا بالذات ، فذاته توجب ذاتيات لا يقال عليها غير لامتناع الاستقلال فيها ، ولا مثل لشمول الوحدة الحقيقية عليها ، ولا هي صفة ؛ لأن الصفة مشروطة بموصوفها عند تقدير الوجود ، فهي شيء يلحظ بملاحظة المعجوز.