أي : عين الأزل ، وعين الأبد (١) ، وآثر عدم العدّ ، وحبس النفس معهم : أي الصحبة بهم في عالم الحسّ ؛ لأن هذه الصحبة أثر صحبة الروح ، فإن أرواح المؤمنين فائضة من نور محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فهي كالأولاد له.
ولا شك أن الآباء والأولاد متصل بعضهم ببعض ؛ فهم في صحبة واحدة في المعنى ، والصورة فافهم جدّا.
قال تعالى : (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الآية : ٢٨].
أي : لا تنظر إلى الحسّ والصورة ؛ بل إلى المعنى والحقيقة ، فأهل الذكر زينتهم زينة الآخرة ، والباطن ، وأهل الغفلة زينتهم زينة الدنيا ، والظاهر ، والباطن أرجح من الظاهر ؛ لأنه الأصل المرجوع إليه.
قوله عزوجل : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) [الآية : ٢٨].
أسند الإغفال إلى نفسه تعالى ؛ والمراد إظهار الغفلة التي جبل الغافل عليها في الأزل ، فإن الاستعدادات والأقضية التي تجرى عليها ليست بمجعولة ، فلا جبر من الخالق للخلق.
وقوله عزوجل : (وَاتَّبَعَ هَواهُ) [الآية : ٢٨].
هذا الاتّباع هو أثر ما جبل عليه في الأزل خيرا وشرّا ، ومن هنا قال تعالى :
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) [الأنعام : ١٤٩].
فما من أحد من أهل الهوى إلا وهو داخل في العذاب وسجنه ؛ لكن بعد الإلزام لا قبله.
وقوله : (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الآية : ٢٨].
تتميم لاتّباع الهوى ؛ أمر قصدي أولا ، ثم أمر فعلي ثانيا ؛ كالإرادة والدعاء بالنسبة إلى الذكر ؛ لكن قدّم الفعل هناك ؛ وهو الدعاء إشارة إلى الحكمة ، وأخسر هنا إشارة إلى العلم ، فتفطّن لهذه المقام ، والله العلّام.
__________________
(١) قال سيدي محمد وفا رضي الله عنه : الأزل في الأبد سر في علن ، ومعنى في الكلام الذي ما ورد في الأسماء الحسنى لأنهم في نظامه ، والمسميات في نظام قيوميته قيامه في كل كلمة من كلامه على كل نفس من تجلياته أقام فيه دوائر وجوه حضرات عين إجماع مرأى قوابله ، وهذا هو الوجه الباقي في العين القائم عرش الإحاطة مربع بوجوه الحضرات .. وانظر : كتاب الأزل لسيدنا قدسسره (ص ٨٤).