سورة الكهف
قال الله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف : ١٨].
إشارة إلى حال الغفلة ؛ فإنهم نائمون في صورة المنتبهين ، فمن نظر إليهم ممن هو مثلهم في الغفلة عن الله تعالى يراهم متيقّظين ، ومن نظر إليهم من أهل المكاشفة والمشاهدة ؛ يراهم نائمين ، فإن الاعتبار بحال الباطن لا بحال الظاهر.
وإمّا إلى حال أهل اليقظة ، فإنهم لا إحساس لهم بما يتعلّق بعالم الملك ؛ لفنائهم عنه ، وبقائهم بالله ، والباقي بالله لا ينظر إلا إلى الله تعالى ، والجاهل المحجوب يظن أنهم منغمسون في الحسّ ، وأنهم مشتركون معه في ذلك ، وليس الأمر كذلك بل فرق كثير بين من حضر مع الحق في كل حاله ، وبين من غفل عنه في كل حاله ، أو في بعض حاله.
فمن حضر مع الحق ، يشمّ منه رائحة المسك في صورة الدّم كدم الشهداء ، ومن لم يكن كذلك ، كان صورته ومضاء دما ، فالاشتراك في الدموية لا يوجب أن يكون بينهما أصلا ؛ ولذا قالوا : إن رجال الله أكثر نكاحا من غيرهم لما أن الدم في عروقهم يستحيل نورا : أي يرجع إلى قوته.
والنور أقوى من الدم ؛ لأنه من عالم البقاء ، والدم من عالم الفناء ، فما بينهما كما بين الدنيا والآخرة ، فإذا عرفت هذا ؛ فاحذر أن تقيس أهل الله في أحوالهم على غيرهم ؛ فهو كقياس الغائب على الشاهد ، وذلك لا يصحّ جدّا ، وقد رأيت في عصري من هو خارج عن القياس بحيث لا يعرفه إلا رب الناس ، جعلنا الله وإياكم من المحققين بهم ، والقائمين بنحو مطالبهم ؛ إنه هو البرّ الرحيم ، والزم.
لطيفة : واعلم أن من عادة الله سبحانه مع هذا الفقير الشيخ إسماعيل حقي شرّفه الله لمزيد الترقّي أن يرقيه إلى أعلى ما كان فيه من المراتب ، وأن يفيض عليه من علمه ما لم يكن عنده قبل ، وذلك في كل سبع سنين من سنى العمر لكن لمّا كان الترقّي موقوفا على المنحة والمحنة ، وإن كانت لا تنتج شيئا ؛ لكن الصبر عليها ، والرضا بها مما له عاقبة حميدة ، والمحنة أيضا على صور شتّى بحسب الاستعدادات ؛ فكانت صورة ابتلائي بالسفر من دار إلى دار ، والهجرة من أرض إلى أرض ؛ فكان أول ما