عالم الأمر لا من عالم الخلق ؛ لكنه لمّا تعلّق بعالم الخلق ؛ وهو مرادنا من قولنا : إن نصفه عربي معرب عنه ؛ اشتبه على الخلق أنه ما هو ، ولم يعرفوا أنه هو الأمر الإبداعي الذي لم يكن له تعلّق بالأشياء المنفوخ هو فيها ؛ لكمال تجرّده في نفسه ؛ لأنه العقل المحض إلا تعلّق التدبير والتصرف ، وهو المراد بالظهور في قول : من قال : سبحان من أظهر الأشياء ، وهو عينها ، ولذا لم يقل : سبحان من خلق الأشياء ؛ وهو عينها.
ومن ثمّ زلت فيه بعض الأقدام ، وقال ما قال من أسوء الكلام ، ثم إن هذا التعلّق لا ينقطع أبدا من الأشياء ؛ لأن التجليّات لا تنقلب العدم البتة ، وإن دارت في الأطوار المختلفة مثلا : إن الروح متعلّق بالإنسان مادام حيّا ، فإذا مات ؛ تعلّق بعناصره
__________________
ـ وحدته ولم يوصف بالمخلوقيّة مع التكثّر ؛ لأنه ظهور الذات في المراتب بلا كيف.
فالعالمان ؛ الغيب والشهادة أو الخلق والأمر إذا أضيفا إلى الذات بلا واسطة بطريق الوجه الخاص فهما واحد ، وإذا أضيفا إلى الأسماء ؛ فالشهادة : الخلق ، والغيب : الأمر ، فبهذا الاعتبار قلنا : إن الإنسان الكامل له الأخذ من الله تعالى بواسطة ؛ باعتبار الإضافة إلى الاسم ، وبلا واسطة ؛ باعتبار الأخذ من الوجه الخاص ، وإنما قلنا : الوجه الخاص ؛ لأنه مخصوص بالإنسان الكامل من دون الموجودات ؛ كالملك وغيره ، فإن له الإطلاق في الأخذ وغيره لكل منهم مقام معلوم لا يتعدّون مقاماتهم ؛ وذلك لأن الإنسان الكامل كل الوجود ، فافهم.
فلمّا أراد تعالى ظهورنا بالصورة : أي بصورة الحق ولها الغيب والشهادة ، فأوجدنا ذا غيب وشهادة ؛ ذا جسم وروح ؛ فعالم الجسوم شهادتنا ، وعالم الأرواح غيبنا ؛ فالكون كله جسم وروح وبهما قامت نشأة الوجود ، فالعالم للحق ؛ كالجسم للروح فلا يعرف الحق إلا من العالم كما لا تعرف الروح إلا من الجسم.
فإنّا لما نظرنا فيه ، ورأينا صورته مع بقائها ؛ تزول عنها أحكام كنّا نشاهدها من الجسم وصورته من إدراك المحسوسات والمعاني ، فعلمنا أن وراء هذا الظاهر معنى آخر هو الذي أعطى أحكام الإدراكات معرفتنا غيبنا بشهادتنا ، وسمّيناه روحا لهذا الجسم الظاهر ، وكذلك ما علمنا أن لنا أمرا يحرّك أرواحنا كما كانت الأرواح تحرّك أجسامنا ؛ وهو روح الأرواح يحكم فيها بما يشاء حتى نظرنا في أنفسنا ، وعرفنا منها وبها ربّنا.