قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ٨٢].
قدّم الشفاء ؛ لأنه إشارة إلى سورة الفاتحة ، والآيات المتعلّقة بالأدعية.
لطيفة وفائدة : قد صحّ أن الفاتحة شفاء من كل داء ، إذا قرئت ونفخت بحضور القلب ، وكذا إذا كتبت في إناء ، وغسّل الرسم بماء مطلق ، أو بماء الورد ، وشربه المريض ، أو من في حكمه ، وكذا إذا كتبت ، وعلّقت على الأعناق والصدور ، فكما لا بد من حضور القلب في جانب القارئ والكاتب ؛ فكذا لا بد من حسن الاعتقاد ، وحسن الظنّ بالله في جانب المقروء عليه ، والمكتوب له إذا كان من شأنه ذلك.
ولذا قيّد بكونه شفاء للمؤمن ؛ فإن غير المؤمن لا يجده شفاء بحسب اعتقاده ، وإن كان هو في نفس الأمر شفاء ، كما أن التوحيد حاصل في نفس الأمر سواء عرفوه أم لا ، وإنما الكلام في كلمته ، والاعتقاد له ، فمن لم يتكلّم بكلمته ، ولم يعتقده ؛ لم يكن التوحيد حاصلا بالنسبة إليه : أي بالفعل كمن عنده عسل ، وهو ينكر حلاوته ؛ لغلبة الإصفرار على مزاجه ، أو كان الضرير ينكر نور الشمس ، وهو ظاهر.
والحاصل : إن القصور ، والهمم ، والنيّات مؤثّرة جدا غالبا ، وإنما قلنا : غالبا ؛ لأنه قد يتخلّف التأثير بحسب بعض العوارض ، والموانع.
ألا ترى أن بعض الأنبياء تجيء يوم القيامة ، وليس معه أحد ؛ لغلبة الظلمات على نفوس أمته ، فكانوا بحيث لا يتأثّرون من كلامه ، وإن كان كلامه جد مقرونا بالهمة القوية ، وقد جدّ نبينا صلىاللهعليهوسلم في إيمان عمه أبي طالب ، واهتم بذلك ؛ لكن لم يعقبه التأثير ، والله يفعل ما يشاء.
والرحمة ؛ إشارة إلى ما في القرآن من الوعد والبشرى نحو قوله تعالى :
(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : ٥٤].
وقوله : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣].
وقوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٥٦] ، ونحو ذلك ؛ فهي رحمة خاصة تحصل للمؤمن في الدّارين.