فإن الأرواح كانت صفوفا أربعة :
الأول : صف الأنبياء.
والثاني : صف الأولياء.
والثالث : صف المؤمنين.
والرابع : صف الكفار.
على أن كمّل الأولياء من الصف الأول أيضا على ما دلّ عليه كلمات بعض الأكامل ، فلا يتجه ما ذكره من التربيع.
قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ) [يونس : ٩٩] يا محمد ، ويا من هو وارثه في مقامه من الدعوة والإرشاد : (تُكْرِهُ النَّاسَ) [يونس : ٩٩] : أي تجبروا الناس الناسين أنفسهم ؛ فنسوا الله والإيمان به ؛ لأن نسيان النفس سبب لنسيان الله ، كما أن ذكرها سبب لذكره ، دلّ عليه قوله : «من عرف نفسه ؛ فقد عرف ربه» (١) ؛ فمعرفة النفس أصل ، ومعرفة الرب فرع ؛ لذلك كما أن المحبة عكس ذلك كما دلّ عليه قوله تعالى : «فأحببت أن أعرف» (٢).
قوله عزوجل : (حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩] : أي بالإيمان الشرعي ؛ فإن الإيمان إنما يكون عن تبليغ ؛ كالطاعة ؛ إنما تكون عن أمر ، وفي حكم الإيمان الشرعي التوحيد الذاتي ، فإن بعض الناس ممن جاء في الفترة ، أو كان في أقطار الأرض القاصية ، أو في شواهق الجبال لم يدر ما الكتاب ، ولا الإيمان إلا أنه عاش على الفطرة من غير أن يخلّ بشيء من الأصول ، فهو غير مخلّد في النار أيضا.
وفي الآية إشارة إلى أن سرّ القضاء والقدر لا يعرفه الإنسان بكنهه ؛ بل يعجز عن دركه ؛ فهو بحسب نشأته الجامعة ، ورحمته الشاملة الواسعة ، وإن كانت له همة عالية في إيمان الناس كلّهم بحيث لو أمكن ؛ لأجبرهم عليه لكن الله يأبى إلا أن يجعلهم مختلفين بالإيمان والكفر لما ذكر ، والله الموفّق والمرشد والهادي.
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠ / ٢٠٨).
(٢) لم أقف عليه.