سورة هود
قال الله سبحانه : (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) [هود : ٧٦].
دلّت هذه الآية : على أن القضاء المبرّم لا يردّ ؛ وهو القضاء الغير المعلّق ، وإليه الإشارة بقوله تعالى أيضا : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) [البقرة : ٢١٧] ؛ فإن مفهومه أنهم لا يستطيعون أن يردّوا المخلصين الراسخين عن دينهم ، وإن ركبوا في ذلك ، متن كل صعب وذلول ، لما إن الله كتب في حقهم السعادة فلا يتغيّر بحال من الأحوال.
وأمّا القضاء المعلّق فبخلاف ذلك ، وتحقيقه أن كلا من السعادة والشقاوة ؛ إمّا أصلية أو عارضة.
فالأصلية لا يعارضها عارض ، وإن عارضها ، فالمال إلى السعادة والشقاوة ؛ لأن الأبد مرآة الأزل ، فلا تزال صورة الأزل منعكسة في مرآة الأبد.
فالمؤمن الأصلي لا يضرّه الكفر العارضي فإنه مكتوب في علم الله أنه مؤمن ، وكذا في بطن الأم ؛ فإن بطن الأم ناظرة إلى علم الله ، فهما لوحان متوافقان ، وكونه مكتوبا في اللوح المحفوظ : إنه كافر لا يضرّه ؛ لأنه لوح المحو والإثبات.
وإليه الإشارة بقوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) [الرعد : ٣٩] ، وعالم الحسّ ، والخارج ناظر إلى هذا اللوح ؛ فهما لوحان متطابقان أيضا.
فهذه أربعة ألواح : لوح العلم ، ولوح البطن ، ولوح زائد البطن ، ولوح المحو ، ولوح العين الخارجي ، فالأولان من باب واحد في عدم التغيّر.
وكذا الكافر الأصلي : فإنه لا ينفعه الإيمان العارضي ، فإنه مكتوب في اللوحين : بأنه كافر ، وإن كان مؤمنا في اللوحين الآخرين ، فالمؤمن الأصلي مؤمن عند الله في حال كفره ، وكافر عند الناس في تلك الحال ، ثم يزوال تلك الحال عنه ؛ فيكون مؤمنا عند الناس أيضا.
وكذا الكافر الأصلي : فإنه كافر عند الله في حال إيمانه ، ومؤمن عند الناس في تلك الحال ، ثم بعد زوال تلك الحال عنه ، ويسمّى كافرا عند الناس أيضا ، فالقضاء المبرم لا يتغيّر أصلا بخلاف القضاء المعلّق ؛ فإن علّق عمر أحد مثلا بعمل من الأعمال بمعنى أنه إن عمله كان عمره ثمانين ، وإلا كان ستين ، فإن قضى في حقه أنه يعمله ؛