سورة يونس
قال الله سبحانه : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) [يونس : ٩٩].
إشارة بالاسم الرّب إلى أن ما بعده من قبيل القرينة ، امّا بالنسبة إليه صلىاللهعليهوسلم فبالعلم ، وامّا بالنسبة إلى قومه فبإبقاء بعضهم على حاله من الجهل والمعصية ، وعبارة الخطاب له صلىاللهعليهوسلم وإشارته لكل من هو بصدد التبليغ من الورثة.
قوله عزوجل : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) [يونس : ٩٩].
أراد بمن في الأرض : الأنس والجن ، كما دلذ عليه كلمة من ، فإنهم هم المكلّفون : منهم المؤمنون ، ومنهم الكافرون.
وأمّا من في السماء ، وما في الأرض من الملائكة ، وما عدا الإنس والجن ؛ فهم مؤمنون مسبّحون ، باقون على فطرته الأصلية ، لا يحتاجون إلى الدعوة والتبليغ.
قوله تعالى : (كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩] : أي مجتمعين في الإيمان ؛ كاجتماع الملائكة في سجدة آدم ، واجتماع بعض القبائل والطوائف على الإيمان ، كما دلّ عليه قوله تعالى : (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) [النصر : ٢].
فإن بعض الناس إذا دخلوا في دين الله مجتمعين بمشيئة الله تعالى ؛ فكلهم من شأنهم الدخول فيه كذلك ؛ لكن الله لم يشأ ذلك لحكمة تقتضيه ؛ وهي كون الموطن موطن الجمال والجلال ، وظهور آثار الأسماء الإلهية مطلقا ، فلو آمن كلهم ؛ لبقى بعض الأسماء بحيث لا حكم له في العين ، وذلك ينافي جمعية نشأة الإنسان.
فإن قلت : فقد آمنوا في عالم الأرواح ، فلم لم يظهر أثر ذلك الإيمان في العين ، وعالم الأجسام ، قلت : لا شك أن ذلك العالم لا يقتضي الإيمان ، والكفر في الحقيقة ، وإنما إيمانهم فيه إشارة إلى الفطرة الأصلية ؛ هي القابلية الذاتية ، وهي لا توجب الاتفاق على الإيمان في عالم العين ، لما قال صلىاللهعليهوسلم : «ثم أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (١) : أي يصيران سببا لظهور ما في القابلية من الكفر أيضا ، وهذا أولى بما قال بعضهم : إنهم آمنوا من وراء حجاب.
__________________
(١) تقدم تخريجه.