ثم هذا الربط سواء كان بالتأييد الملكوتي مع وجود السبب في الظاهر ، كما في الآية ، وكما في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٢] ، أو مع عدمه كما في قوله : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) [الكهف : ١٤] ، فإنه كربط قلوب سحرة فرعون حين توعّدهم فرعون بالصلب ، والقتل ؛ كل ذلك من العناية والتوفيق الخاص الذي يعتني بشأنه ، وفي ذلك إشارة إلى ضعف الإنسان في نفسه أيّا كان ؛ ولذا قال الأنبياء عليهمالسلام : (مَتى نَصْرُ اللهِ) [البقرة : ٢١٤] مع اعتمادهم على الله تعالى ووعده ، وانه لا يخلف الميعاد.
وقل : من سلم عن التزلزل من غير ربط القلب ؛ فإن موارد القضاء ، ومواقع القدر يصعب الورود والوقوع فيها بحساب الغافلين ؛ لكن مدّتها كلمح بالبصر عند العارفين ، فلا اعتبار بها عندهم ، ولمّا كان كل من بسط الرزق ، وتأخير الأجل مرغوبا عند الناس ، فإنه لا حياة مع الفقر ، وإن كانت طويلة ، ولا أثر للغنى مع قصر العمر ، وإن كان خزائن قارون.
وأشار النبي صلىاللهعليهوسلم إلى أن من أراد رزقا واسعا ، وحياة طويلة ؛ كان عليه أن يصل الرحمن : أي يصل إليه بدوام الذكر والطاعات حتى يرد عليه ما قصده من ذلك ، فإن من كان الله بظاهره وباطنه ؛ كان له بجميع فيوضه ورحماته.
قال الله تعالى : (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) [الأنفال : ١١].
هذه الآية في حق أهل بدر ، وقال في حق أصحاب الكهف :
(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) [الكهف : ١٤].
أورد الأولى باللام ؛ لأنها بعد بيان السبب الذي هو إنزال الماء من السماء وقت الضرورة القوية ، وكانوا ضعفاء من جهة البدن والقلب ؛ لقلة العدد ، والعدد ، وكثرة المشي ، والعمل بخلاف أصحاب الكهف ؛ فإنهم كانوا أقوياء من جهة البدن ، والقلب ؛ فاحتاج كل من هاتين الطائفتين إلى التقوية ، والتأييد الملكوتي ؛ فكان سبب النصرة في الحقيقة الضعف والذلة ، كما قال الله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] ، وقال : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران : ١٢٣].