فما سرّ ذلك؟ قلت : إن ذلك راجع إلى التشريع ، وتعليم العباد.
وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلعن ذكوان ، وعصية ، وبني رعل إلى أن نزل قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] ، فكان من شأنه أن يقول : «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» (١).
إلا أن يكون ذلك بإذن من الله تعالى في مادة مخصوصة ، وفي نسمة معلومة ، كما لعن العقرب حين لدغته وهو في الصلاة ، وقد كان بعض الأولياء لا يلعن الشيطان اكتفاء بلعنه الله إياه ، والأولى الاقتداء بالله في حال الفرق دون الجمع ؛ لأن لعنة الله في حكم لعنته ، فلا حاجة إلى لعنة أخرى ؛ هذا هو لعن الشيطان ، ومن في حكمه من الكفار ، فإنهم مبعدون عن رحمة الله تعالى ، ومقرّبون إلى الغضب ، كما دلّ عليه قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] ، وقوله : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) [المائدة : ٦٠].
وأمّا لعن المؤمن فيرخّص فيه إذا فرّط في المعصية لأنه إذا يكون في حكم الكافر ، وقد ألحق الله بعض المفرطين من المؤمنين بالكفار ، فأغلظ عليهم بنحو ما أغلظ على الكفار ؛ حتى حكم بخلودهم في النار ونحوه.
ومن ثم لعنوا «يزيد» لغلوّه وإفساده في الأرض ، ولو لعنوا الحجّاج الغشوم ، وتمرلتك الأوزبكي ؛ لجاز لهم ذلك أيضا ، فإن كلّا منهما خرّب البلاد ، وقتل الأخيار ، وأباح ما حرّم الله ، فلعنة الله على الظالمين.
وفي هذا المقام جواب آخر دقيق يرجع إلى الحقيقة وهو أن دعاء الله عليهم ، وإن كان لا يصحّ في مرتبة العماء الإلهي لكنه يصحّ في مرتبة العماء الكوني (٢) ؛ لأنه
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) قال سيدي علي وفا في المسامع : جاء في الحديث : «كان ربنا في عماء ، ما فوقه هواء ، وما تحته هواء ، وكان عرشه على الماء».
هذا العماء هو صورة كون الإنسان التي بالتعلق العقلي تعين فيها الرب الرحمن ، وغاب في ذلك التعين بالتنزيه الفرقاني عن أعين عقول الفرقان ، وتلك الصورة الآدمية هي عرشه الكائن على ماء النطفة المنوية ، وهذا العماء في شخصيته المفارقة الخيالية ما فوقه هواء وما تحته هواء : أي ليس تحته