سورة التوبة
قال الله سبحانه : (قاتَلَهُمُ اللهُ) [التوبة : ٣٠].
دعاء عليهم بالقتل ؛ لكن أشار بالمفاعلة إلى أنهم كالمحاربين مع الله تعالى من حيث جسارتهم على عصيانه ، كما صرّح بذلك في قوله : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة : ٣٣].
فإن محاربة المخلوق بلا وجه شرعي ؛ كمحاربة الخالق ، أو أن الخالق لمّا ظهر في صورة المخلوق بأسمائه وصفاته ؛ كانت المحاربة محاربة معه لا مع الخلق ، فالأول باعتبار الفرق ، والثاني باعتبار الجمع.
وإليه الإشارة بقوله : «يا ابن آدم استطعمتك ؛ فلم تطعمني» (١).
وبقوله : «حتى يعلم» (٢) : أي حتى يعلم من لا يعلم ، أو يعلم من يعلم في صورة العين بعد ما علم في صورة ، وكلا العلمين بالنسبة إليه تعالى علم واحد ، وحال المعلوم مشهود له إلا إن تعلّقه بالمعلوم الخارجي ؛ إنما كان في العين ، فأشار حرف الغاية إلى التفاوت بين العلمين بحسب العلم والعين ، فاعلم ذلك.
ثم إن القتل استعمل في العرف بمعنى اللعن ؛ فمعنى قوله عزوجل : قاتلهم الله : لعنهم الله ، وذلك أن اللعن بمعنى الإبعاد عن الرحمة والقتل ، وإن كان معناه إزالة الحياة بمباشرة القاتل إلا إن فيه معنى اللعن أيضا.
فإن المقتول من حيث كونه مقتولا ؛ يبعد عن الرحمة ، فإن الرحمة تمنع التعرّض بشيء من الأذى فكيف القتل؟.
فإن قلت : لا شك أنه فرّق بين الإخبار باللعين في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الأحزاب : ٥٧] ، وبيّن الدعاء عليهم به في هذه الآية ونحوها ، فإن الدعاء من شأن العاجز عن الانتقام ، والله تعالى عزيز ذو انتقام ، فيغلب ولا يغلب ، فلا يبقى حاجة إلى الدعاء.
__________________
(١) رواه مسلم (٤ / ١٩٩٠) ، وابن حبان في صحيحه (٣ / ٢٢٤).
(٢) رواه البخاري (١ / ٤٩) ، ومسلم (٣ / ١٥٤٤).