فظهر أن العذاب من النار ، وكما أن النعيم من الجنة ، فنار عاجلة وآجلة ، وكذا النعيم.
وإلى ما قلنا أشار قوله : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : ١٠].
فإن حال الحضور ليس كحال الغيبة ، فإذا فنى العبد عن نفسه ، وبقى بالله تعالى ؛ استراح كحال أبي يزيد البسطامي قدسسره ؛ ولذا كان لا يقطعه السيف ، وهو مع الله تعالى في حال غيبته عن الحسّ.
فانظر إلى قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ) [الأنفال : ٣٣] إلخ.
كيف جعل الوجود النبوي ، وحصول الاستغفار سببا لارتفاع العذاب ، وباعثا على الأمان؟ فالأول : من الأسباب الآفاقية ، والثاني : من الأسباب الأنفسية ، فكما أن الورثة خلفاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ونوابه ، وبهم يحصل من الأمان ما يحصل به ، وإن كان دونه ؛ فكذا القلب بمنزلة الوجود المحمّدي في عالم الوجود بشرط أن يظهر على الصفة النبوية من التوجه إلى الله تعالى ، والتبتّل إليه.
فإذا بالإنسان الكامل وبظاهره ؛ يحصل الأمان لظاهر العالم وصورته ، وبقلب الإنسان الكامل ونفسه ؛ يحصل الأمان لنفسه ، فهو أمان مطلق من الله تعالى في حق نفسه ، وفي حق غيره.
فإن الله تعالى معه مع استمالة الجمالية ؛ لكونه خارجا عن دائرة الغضب ، كما أشار إليه غير المغضوب عليهم ولم يبق الجلال إلا في باطنه بالقوة ، وقد يظهر ذلك الجلال في أولاده بصورته وحقيقته ، نسأل الله تعالى الأمان من العذاب ، والجلال مطلقا في حق النفس ، وفي حق صورها من الأولاد.
* * *