ومن ذهل عن هذه الدقيقة ؛ وهم الفقهاء المحجوبون ؛ منع صحة تلك المقالة ، وزعم أن فيها تحقيرا لسائر الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ.
وأمّا قول المرتضى كرّم الله وجهه : كان في الأرض أمانان ، فرفع أحدهما ، وبقى الآخر ، فأمّا الذي رفع ؛ فهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأمّا الذي بقى ؛ فالاستغفار.
وقرأ بعده هذه الآية.
فالمراد به : الأمان الكامل ، فإنه لا شك مرفوع عن هذه الأمة ، وبقى ما دونه من بعض الأمان ؛ وهو ما حصل بوجود الورثة في كل عصر حتى أنه قد يحصل لبعضهم التألّم من وجود بعض المصرّين ، فيقال له : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم.
وقد يرتفع الأمان حسبما اقتضته المشيئة الإلهية ، كما ارتفع من أهل بغداد حين استولى عليهم هولاكو الكافر الجنكيزي حتى استأصّلهم مع وجود كثير من الورثة فيهم على أنهم استشهدوا أيضا ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ، فلهم في ذلك رفع الدرجات ، وتكميل مراتب المحبية ، والمحبوبية ، ولمن فعل بهم ذلك من الدركات ، وتنزيلهم في أسفلها ؛ لأنه اشتدّ غضب الله على من قتل نبيا ، أو قتله نبي.
وأولئك الأصفياء من حيث ورثتهم في حكم الأنبياء ؛ ولذا يغضب الله لهم كما يغضب الأسد لشبله ، فقد يكون الرحمة في صورة الغضب ، وقد يكون الأمر بالعكس ، نسأل الله لطفه وكرمه.
والمراد بالتعذيب الثاني هو : التعذيب الأخروي الذي دخل فيه التعذيب الروحاني ، وذلك ان الاستغفار طلب ستر النفس بالأنوار الروحانية حتى لا يلحقها عذاب من الظلمات الطبيعية ، فكل عذاب جسماني أو روحاني ؛ فإنما يلحق المعذّب به من جهة نفسه المظلمة المنكدرة ، فإذا استنارت النفس بالأنوار القلبية الروحانية ؛ خلصت من العذاب مطلقا.
__________________
ـ قال وهذا من باب الحكمة والمصلحة الراجعة إلى الخلق بإظهار عظمة هذا النبي الكريم وإشهار كرامته عند المولى العظيم ، فجعل وجوده سببا في وجود الموجودات ونيل جميع الكرامات انتهى وانظر : جلاء القلوب (بتحقيقنا).