«إن الدنيا سجن المؤمن» (١) ، نسأل الله تعالى أن يخلّصنا من هذا السجن بالسير في الملكوت ، ثم يرفع منزلتنا إلى عالم الجبروت واللاهوت.
قال الله سبحانه في سورة الأعراف : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا) [الأعراف : ٩٦].
: أي بالله الذي على العرش رحمانيته ، وبملائكته الذين أسكنوا في ملكوت سماواته ، وبالرسل الذين أجسامهم في الأرض ، وعقولهم ، وقلوبهم ، وأرواحهم في علّيين ، وبالكتب التي أنزلت في خزائن العرش من المحلّ المكين الأمين ؛ وهو : أي الإيمان أصل السعادات ، ويحرّم دخول الجنات العالية إلا به ، ومحلّ القلب العلوي الذي كان تعيّنه في عالم الأرواح ؛ وهو فوق العرش عند أهل الحقائق خلافا للحكماء ؛ فإنهم ذهبوا إلى أن فوق العرش لا خلاء ، ولا ملأ إلا أن يقال : إنهم أرادوا بذلك سلب التحيّز وهو كذلك ، فإن الأرواح ليست بمتحيّزة ؛ لتجرّد جواهرها بخلاف الأجسام ؛ ولذا جعل العرش محيطا بالعالم ، ومدارا له فهو الخير كله.
قوله عزوجل : (وَاتَّقَوْا) [الأعراف : ٩٦] : أي عن الكفر والمعاصي التي لا وجود لها إلا في الأرض السفلية ؛ لأن الملائكة في السماء لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون.
وأمّا الذين في الأرض ، فإنهم وإن كانوا مكلّفين ببعض التكاليف لكنهم في ذلك تابعون للإنس من حيث مشاركتهم في المكان ، فهم في عدم العصيان ؛ كالملائكة السماوية.
وأمّا ما روي عن ابن عباس : من أن طائفة من الملائكة لم يسجدوا لآدم ، فأرسل الله إليهم نارا ؛ فأحرقهم ، فإنما أراد بالملائكة الجن ؛ لأن كلّا منهم مستورون عن أعين الناس ؛ لكونهم داخلين تحت الاسم اللطيف ، وأيضا إن الملك من أرسل في أمر من الأمور ، وأمر بشيء من الأوامر ؛ كالجن ، فكل ملك روح وجن ، وكذا كل جنّي روح وملك ، وأمّا كل روح فليس بملك ، وهو الذي ليس له جسم أصلا ؛ كالأرواح المهيمة ، فهو لا يقتضي الإرسال والأمر ؛ لكونه مشغولا بربه ، ومستغفرة في بحر شهوة لا شعور له بالعالم ، وبما يتعلّق به من المصالح.
__________________
(١) رواه مسلم (٤ / ٢٢٧٢) ، والترمذي (٤ / ٥٦٢).