سورة الأنفال
قال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال : ٣٣].
المراد بالتعذيب الأول هو : التعذيب الدنيوي ؛ لأن وجود النبي صلىاللهعليهوسلم أمان للمذنبين ، وعبارة الخطاب له صلىاللهعليهوسلم ، وإشارة لاصطفاء أمته ؛ فيكون كقوله : «لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك» (١) ؛ فإن المراد به : لولاك ولو لا ما هو شعبة من شعب أنوارك لما خلقت العالم من العرش ، والكرسي وغيرهما (٢).
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفا (٢ / ٢١٤).
(٢) قال الشيخ جعفر الكتاني : وفي «شفاء الصدور» لابن سبع قال الله تعالى : «يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي ولا رفعت هذه الخضراء ولا بسطت هذه الغبراء».
وفي خبر قدسي ذكره فيما تقدم «شارح المشارق» وعلي القاري في «شرح الشفا» والقاشاني في «لطائفه» والجيلي في «كمالاته» كما ذكره غيرهم وهو «أن الله تعالى قال لسيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم :
لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك» قال بعضهم : والمراد من الأفلاك فيه جميع العالم إطلاقا للبعض وإرادة الكل ، وهذا الخبر وإن طعن فيه بعضهم ونفى عنه الثبوت فالأحاديث قبله تشهد له وتؤيده معناه وبها كلها تعلم صحة قول البوصيري في بردة المديح :
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من |
|
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم |
وقول ابن الفارض :
لولاك يا أحمد المحمود ما طلعت |
|
شمس ولم تخرج الدنيا من العدم |
وقوله أيضا في تائيته الكبرى على لسان الحضرة النبوية :
ولا تحسبن الأمر عني خارجا |
|
فما ساد إلا داخل في عبوديتي |
فلولاي لم يوجد وجود ولم يكن |
|
شهود ولم تعقد عهود بذمتي |
فلا حي إلا عن حياتي حياته |
|
وطوعي مرادي كل نفس مريدة |
ولا قائل إلا بلفظي محدث |
|
ولا ناظر إلا بناظر مقلتي |
ولا منصت إلا بسمعي سامع |
|
ولا باطش إلا بأزلي وشدة |
ولا ناطق غيري ولا ناظر ولا |
|
سميع سواي من جميع الخليقة |