بني آدم ، وقد قال : «إن الله خلق آدم ؛ فتجلّى فيه» (١) : أي بذاته وأسمائه وصفاته.
والمراد منه : آدم الحقيقي الذي هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن الغاية القصوى من الكون من إيجاد أبو البشر داخل في محمد لا بالعكس ، فإن الله لمّا كان النور المحمّدي من نوره ؛ جعل نور أبي البشر في نوره ، فما ظهر إلا بنور محمد كما أن محمدا ما ظهر إلا بصورة أبي البشر ، فكان روح آدم تابعا لروحه ، وجسمه متبوعا لجسمه ، ولمّا كان الشرف الحقيقي ، والكمال الإنساني للروح في الحقيقة ؛ ما نقص متابعة محمد لجم آدم من كماله شيئا.
ومنه : قال : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم» : أي إلى ظواهركم ؛ «وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم» (٢) : أي إلى بواطنكم ، فانظر واشهد لعلّ الله يعطيك رؤيته بالمنّة لا بالجهل.
قال الله سبحانه في أواخر سورة الأعراف : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) [الأعراف : ١٧٦].
معنى هذه الشرطية أن إخلاده إلى الأرض كان سببا لعدم مشيئة الله رفعه ، فلو لم يكن الإخلاد الاختياري ؛ لشاءه ، فلو شاءه مع الإخلاد ؛ لكان ذلك من قبيل الجبر ، والله تعالى لا يجبر أحد على ما لا يقتضيه استعداده ؛ ولكنه يجبر على حكم قابليته ، ومن ذلك الاسم الجبّار.
وعلى هذا نحو قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٦٤] : أي لأنه لو هداهم مع اختيارهم الكفر ؛ لكان جبّارا بما لا يقتضيه عالم العلم ، والحكمة ، فإن قلت : قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] ؛ يدلّ إن مشيئتهم تابعة لمشيئته تعالى ؛ فيكون جبرا ، قلت : هذا راجع إلى ما هم عليه في عالم العلم ، فإن الله تعالى إنما شاء في العين الخارجي ما شاء لكون ذلك مما يقتضيه حال المعلوم في العلم ؛ فهو عليم حكيم ؛ يعني : إن حكمته تابعة لعلمه.
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه مسلم (٤ / ١٩٨٧) ، وابن ماجه (٢ / ١٣٨٨).