الإلهية ، والله تعالى وجه كل لا قفا فيه ، فكذا محمد ؛ لأنه مظهره التام ، ومجلاه الكامل ؛ وهو القمر ليلة البدر إن عكس إليه نور الشمس الذات ؛ فامتلأ به.
وأمّا النجوم ؛ فقد أخذت أنوارها من القمر بقدر استعداداتها وصفائها في جرمها ، ودلّ على هذا الكمال قوله صلىاللهعليهوسلم يوم القيامة : «أمتي أمتي» (١) ؛ لأنه لا حجاب له أصلا ، وأمّا غيره فيقولون : نفسي نفسي.
ولمّا كان كمال المتبوع ساريا في التابع ؛ كان أكامل الأمة أيضا كذلك ؛ لأنهم أيضا أهل التجلّي الذاتي ، ولا يلزم منه فضلهم على الأنبياء ؛ لأن مرتبة النبوة أعلى من مرتبة الأولياء والحال لا توصف ، ولسان الشرع لا يدور إلا بهذه القدر ، ولا يجري إلا على مقتضى استعداد أهل العصر.
فظهر أن الله تعالى مشهود أبدا ؛ لكن من مرآة رداء الكبرياء الذي هو وجود العبد ، وبعد شهوه ، فالمشاهدون على تفاوت الدرجات في ذلك حسب تفاوت درجات البصر في الظاهر ، فشهود بعضهم أقوى من شهود البعض ؛ لكونه بالبصر وبالبصيرة جميعا ، كما لحضرة النبوة.
ولمّا كان كل من الحجاب والكشف يورّث الحيرة ؛ كان المحجوب في حيرة ؛ هي حيرة ممدوحة ؛ لكونها حيرة تلوين بعد الكشف والتمكين ، فبين الحيرتين تفاوت عظيم ، كما بين التلوينين.
ومنه يعلم سرّ قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الأعراف : ١٩٨].
حيث عبّر عن شهوده صلىاللهعليهوسلم بالرؤية ؛ فإنه أهل الرؤية سواء نظر إلى الأحباب ، أو إلى الأعداء ، وأمّا هم ؛ فهم أهل النظر الحسّي لا من أهل الإبصار الحقيقي ، ولو كانوا من أهل الإبصار الحقيقي ؛ لما جعلهم الله في حكم العمي ؛ فهم رأوا محمدا بصورته لا بمعنا هو ويقرأ في الحيرة المذمومة حيث استبعدوا النبوة في البشر والحق في صورة
__________________
(١) تقدم تخريجه.