__________________
ـ ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم لما قيل له : كيف رأيت ربّك يا رسول الله؟ قال :
«نور أنّى أراه» ، فما رأى ذلك النور ، وهو نور شعشعانيّ ، والأشعة تذهب بالأبصار ، وتمنع من إدراك من تنشقّ عنه عند تلك الأشعة.
واعلم يا أخي أنه لم يبلغنا أن أحدا رأى ربّ العزة بعين رأسه في الدنيا غير رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأما رؤيته تعالى في المنام فوقعت لكثير من الأمة ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فروى الطبراني وصححه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «رأيت ربّي عزوجل اللّيلة في صورة شابّ له وفرة ، وفي رجليه نعلان من ذهب ، وعلى وجهه فراش من ذهب ، وعلى رأسه تاج يلتمع البصر» انتهى.
وقد استنكر بعض العلماء هذا الحديث ، وما كان ينبغي له الاستنكار ، وذلك لأن للحق تعالى تجليا في خزانة الخيال في صورة طبيعية ، بصفات طبيعية ، فيرى النائم في نومه تجسد المعاني في صور المحسوسات ، هذه حقيقة الخيال ، فيجسد ما ليس من شأنه أن يكون جسدا ، لا تعطي حضرته إلا ذلك ، فحضرة الخيال هي أوسع الحضرات ؛ لأن فيها يظهر وجود المحال ، فإن الله تعالى لا يقبل الصور ، وقد ظهر بالصورة في هذه الحضرة ، كما قبلها في تجلّيه يوم القيامة في صور المعتقدات ، فقد قبل محال الوجود الوجود في هذه الحضرة ، وفي هذه الحضرة أيضا يرى الإنسان الجسم الواحد في مكانين في آن واحد ، كما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم موسى عليه الصلاة والسّلام ليلة الإسراء في السماء في حال كونه في الأرض ، وقال : «رأيت موسى».
وما قال : (رأيت روح موسى) ، ولا (جسد موسى) ، ونظير ذلك رؤية الإنسان في منامه جسمه في مدينة أخرى ، وعلى حالة أخرى ، يخالف حاله الذي هو عليه في بيته ، وهو عينه لا غيره لمن عرف الوجود على ما هو عليه ، ونظير ذلك أيضا مشاهدة المقتول في المعركة في سبيل الله ، وهو في حال رؤيتك عند ربّه حيّ يرزق ويأكل.
وقد رأيت في واقعة وقعت لي طيرا أبيض طويل العنق ، أقبل ، فابتلع الوجود العلوي والسفلي ، وابتلعني من جملة العالم ، فصرت أراه من خارجه ، وأنا في جوفه ، وما بقي له قرار ينزل إليه ليستقرّ ، ولا سقف يصعد إليه ، ثم جاءت بعوضة ، فابتلعت ذلك الطائر بما حواه ، ثم غابت عن العين.
وهذا نظير رؤية آدم في حديث القبضتين ، حين قيل له :
«يا آدم ، اختر أيّهما شئت ، فقال : اخترت يمين ربّي ، وكلتا يديه يمين مباركة ، فلما بسط الحق تعالى يده فإذا فيها آدم وذريته» الحديث.
فآدم في هذه القصة في القبضة ، وهو عينه خارج عنها ، فانسخ يا أخي حكم عقلك ، حتى تجمع بين الضدين ، وتصدق رسولك صلىاللهعليهوسلم فيما أخبرك به مما أحاله عقلك ؛ لأنك لا تتعقل شيئا قطّ من ذلك ، وميزان العقل موجود معك ، ولو لا أن حضرة الخيال تقبل المحال ما قدر العقلاء على فرض المحال ؛ لأن العاقل لو لا صوّره في نفسه ما قدر على فرضه ، وإنما صحّ لنا رؤية الحق تعالى في المنام مع