__________________
ـ كما أن من المحال أن يكون لعبد القرآن كله ، فلكل مخلوق [ربّ] ؛ فافهم.
وذلك هو الجزء والمدبر فيه لا غير ، ولو اجتهدت أن تأخذ لنفسك من المرآة فوق ما يخصّ صورتك لم تقدر ؛ وذلك لأن الله تعالى واسع عليم ، وتأمّل المرآة إذا كانت كرة وقوبلت بالعالم العلوي والسفلي وسعته ، وارتسم كله فيها ، فلذلك قررنا غير ما مرة أن الحق تعالى قد تعرّف إلى كل مخلوق بوجه لا يشاركه فيه غيره ، فما أحاط به أحد من كل وجه ، ولا جهله أحد من كل وجه.
حتى المعطل فإنه لا بدّ أن يستند في وهمه إلى موجد يلجأ إليه في الشدائد.
وغاية تعطيله أنه نفى صفة أثبتها غيره لا غير ؛ لقصور مطمح بصره وضعفه ، فلم يحط بصفات الحق كلها ، فما ثمّ لنا من يعتقد تعطيلا على الإطلاق أبدا.
فوجوه المعارف على عدد الخلق ، والسّلام.
وجميع من تكلّم في العقائد إنما تكلّم في عقيدة نفسه الناشئة من التجليات ، لا يتعداها أبدا ، ولا يصحّ له أن يوصل حقيقتها إلى غيره.
فعلم مما قررناه أن الحق تعالى لم يزل مجهولا من حيث الوجوه التي لم يقع للخلق التجلي فيها أبد الآبدين ودهر الداهرين ، ومن يراه منّا في الآخرة لا يرى عين ذاته الحقيقي.
وإنما هو كشف صحيح خياليّ مثاليّ ، صرحت به الأخبار الصحيحة ، وإلا فجلّت ذات الله أن يحاط بها.
وكان شيخنا الشيخ عليّ الخوّاص رضي الله عنه يقول كثيرا : ما عرف الحق تعالى أحد من حيث ما يعرف الحق تعالى نفسه أبدا ؛ لأن الأرواح المدبرة إنما ظهرت بصورة مزاج القوابل ، فلا تتعدى في التدبير ما تقتضيه الهياكل ، ولا يمكن أن يظهر الحق تعالى فيها إلا بصورة ما تقبله ، وما هي على صورة الحق في الحقيقة ، وإنما المدبر على صورة المدبر ؛ إذ لا يظهر فيه منه إلا على قدر قبوله لا غير ، «خلق الله آدم على صورته».
فلا يعلم من الحق ولا يرى منه إلا ما هو عليه الخلق ، فمن اعتمد على العالم من هذا الوجه فقد اعتمد على أمر محقق لا يتغير دنيا ولا أخرى ، فليس الحق إلا ما هو عليه الخلق من العلم به ، وهو تعالى في نفسه على ما علم ، وله في نفسه ما لا يصحّ أن يعلم أصلا ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : (اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)[آل عمران : ٩٧].
فالقدر الذي حصل تدبيره فيك هو [ربك الذي عبدته] ، ولا تعرف إلا هو ، وهو العلامة التي يعرف الحق تعالى بها في الآخرة ، وهي في الدنيا في العموم على الغيب ، وفي الآخرة على الكشف ، فالعامة في الدنيا يعلمونها من أنفسهم ، ولا يعلمون أنها المعلومة لهم.