__________________
ـ وكان يقول : ضحكت زمانا ، وبكيت زمانا ، وأنا اليوم لا أضحك ، ولا أبكي.
ثم اعلم أن التجلي الإلهي لا يكون إلا للاسم (الرب) وللاسم (الإله) ، فلا يكون للاسم (الله) ولا للاسم (الأحد) أبدا.
ولذلك قال السامري : (هذا إلهكم وإله موسى) ، ولم يقل : (هذا الله الذي يدعو إليه موسى) ، فإن كل مشار إليه ذو جهة ، والله والأحد لا جهة لهما ، وهما عينان لا يطلبان أحدا ، فمن تعبّد وتذلل للاسم (الأحد) فقد تعبّد نفسه في غير [معبود] ، وطمع في غير مطمع ، وعلم في غير معمل ؛ لأن الأحدية لا تقبله ، ولا يصحّ له معرفتها ؛ لمنافاتها وجود العابد ، بخلاف الربّ ؛ فإنه أوجد العبد ، فهو يتعبّد له ويتذلّل.
وكذلك الإله يطلب مألوها ، كما سيأتي إيضاحه في فصل ارتباط العالم بالحق من بعض الوجوه.
ثم لا يخفى أن التجلي في المظاهر الإلهية لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد العبد ، وغير ذلك لا يكون ، كما أشار إليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن مرآة المؤمن» ، الذي هو [الحق] (مرآة المؤمن) الذي هو [الخلق] ، فافهم.
فإذن العبد ما رأى في المرآة [الإلهية] إلا صورة نفسه ، وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه ، كالمرآة في الشاهد إذا رأيت المنطبع فيها لا تراها إلا مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها ، فأبرز الله تعالى ذلك مثلا نصّبه لتجليه المظهري ؛ ليعلم المتجلى له من الخلق أنه ما رآه.
وأنشدوا :
جميل ولا يهوى جليّ ولا يرى |
|
وتشهده الألباب من حيث لا تدري |
وما ثمّ محبوب سواه وإنما |
|
وإنّما سلمى وليلى والربائب للستر |
وما ثمّ مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية من هذا الذي ذكرناه.
واجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة ، لا تراه أبدا ألبتة.
ولكن إن قلت : إن المنطبع في المرآة صورتك صدقت ؛ لأنها نشأت من مقابلتك ، وإن قلت : إنها غير صورتك صدقت ؛ لأن صورتك لم تنتقل ، فافهم هذا ؛ فإنه من أعظم ما قدرنا عليه في العلم.
ومن ذاقه فقد ذاق الغاية التي ليس فوقها غاية في حقّ المخلوق بالنظر للمرئي لا للرائي ، فإن الناس متفاوتون في كثافة الحجب وصقالة المرائي ، فلا تطمع يا أخي ولا تتعب نفسك في أن ترقى إلى أعلى من هذا المرقى ، فما هو ثمّ أصلا ، وما بعده إلا العدم المحض ، فهو تعالى [مرآتك] في رؤيتك نفسك ، وأنت [مرآته] في رؤيته أسمائه ، ثم لا يخفى أن من المحال أن يكون لعبد [الرب] كله.