__________________
ـ وأما الذي تعطيه المعرفة الذوقية فهو تعالى ظاهر من حيث ما هو باطن ، وباطن من حيث ما هو ظاهر ، وأوّل من عيّن ما هو آخر ، وآخر من عيّن ما هو أول ، وإزار من نفس ما هو رداء ، ورداء من نفس ما هو إزار ، ولا يتّصف بنسبتين مختلفتين أبدا كما يقرره ويعقله العقل ، من حيث ما هو ذو فكر.
فافهم تعلم أنه لا يكلف الإنسان بمعرفة أخصّ وصف لله تعالى ؛ لأنه ليس لذلك الوصف الأخص في المبتدعات والمخلوقات مثال ، وكل ما لا مثال له فلا علم للإنسان به ولا اسم له عنده ولا علامة.
ومن هنا قال من قال : (لا يعرف الله إلا الله) ، أعني أخصّ وصفه وكنه معرفته ، كما سيأتي بسط ذلك في الميزان إن شاء الله تعالى.
وعلم أيضا أن مشاركتنا للحق في مطلق الصفات لا تشبيه فيه ؛ لأن شرط التشبيه إثبات المشاركة في الوصف الأخصّ ، وهدا لا يصحّ.
كما أن من قال : (إن السواد عرض موجود ، وهو لون ، والبياض عرض موجود وهو لون) لا يكون مشبّها السواد بالبياض ، فتأمّل ذلك ؛ فإنه نفيس.
ورؤية الحق تبارك بعين البصر في هذا الدار ممنوعة لغير سيّدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وما بقي لغيره إلا الشهود بالقلب دون الرؤية بالعين ، ومن لازم ذلك الحجاب.
وإن تفاوت فيه الناس ، ويسمّى حجاب العظمة ، الذي لا يرفع عن وجه الذات أبد الآبدين ودهر الداهرين.
كما أشار إليه : «وليس بين العباد وبين أن يروا ربّهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنّة عدن».
فجميع التجليات الواقعة للعباد في الدنيا والآخرة لا تخرج أبدا عن رتبة التقييد ؛ إذ التجلي الذاتي في غير مظهر ممنوع بين أهل الحقائق ، كما سيأتي بسطه في الميزان.
وأنشدوا :
لم يبد من شمس الوجود ونورها |
|
على عالم الأرواح شيء سوى القرص |
وليس تنال الذّات في غير مظهر |
|
ولو هلك الإنسان من شدّة الحرص |
وإيضاح ذلك : هو أن رؤية الباري جلّ وعلا من أكبر النعيم ، والحجاب عنه من أكبر الجحيم ، ولا يصحّ لنا نعيم قطّ ولا عذاب في غير مظهر ؛ لأن غير المظهر كحالة الفناء لا لذة فيه ولا ألم ، فإذا وقع التجلي في المظاهر وقعت اللذات والآلام ، وسرت في العالم ، فلا حكم للنعيم والعذاب (في) البسيط في الوجود أبدا ، وإنما يوجد في المركب.
ومن هنا كان أبو يزيد البسطامي رحمهالله يقول : أهل أحدية الذات لا نعيم عندهم ، ولا عذاب.