لك إلا في الآخرة ، كما لسائر المؤمنين (١).
__________________
(١) قال الشيخ الشعراني : اعلم يا أخي رحمك الله أن رؤية الحق سبحانه وتعالى لا يعرف حقيقتها إلا من عرف حقيقة رؤية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو غيره من الأموات ، وأنه مثال ينتجه الله تعالى من تلك الذات المرئية في عالم الخيال ، فيرتسم في النفس بصورة المرئي ، فليس مراد الرائي الصادق برؤية رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام رؤية حقيقة شخصه صلىاللهعليهوسلم الموقع في قبره الشريف بالمدينة ؛ فإن ذاته الشريفة منزّهة عن كلفة المجيء والرواح من البرزخ إلى مكان الرائي ، وربما رآه صلىاللهعليهوسلم ألف واحد في ليلة واحدة في ألف موضع ، وهو في كل موضع على حالة لا تشبه الأخرى ، ومثل ذلك محال في العقل ، وإن كانت القدرة الإلهية أوسع من ذلك ، وهذا هو معنى حديث :
«من راني في المنام فقد رآني حقّا ؛ فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي».
فليس معناه أنه رأى روح النبي صلىاللهعليهوسلم ومظهر ذاته ، وإنما معناه أنه رأى مثال روحه المقدّسة ، التي هي محلّ النبوة.
فإن روح رسول الله صلىاللهعليهوسلم الباقية بعد موته منزهة عن الصورة والشكل ؛ فافهم.
بخلاف المثال ؛ فإنه لا يكون إلا مشتملا على الشكل واللون والصورة ، وهذا لا بدّ منه في طريق التعريف ، وإلا لم يكن يعرف.
وكذلك القول في رؤية ذات الله عزوجل ، فإنها منزّهة عن الشكل والصورة ، ولكن لا يتعقل عبد معرفتها إلا بواسطة تخيل مثال محسوس في الصورة الجميلة التي تصلح أن يمثّل بها ذلك الجمال الحقيقي المعنوي ، الذي لا صورة فيه ولا لون ولا شكل ، ثم يطلق على ذلك المثال أنه حقّ وصدق ؛ لكونه واسطة في التعريف.
ويقول النائم : (رأيت ربّي في المنام) ، وليس مراده أنه رأى ذات ربه حقيقة ، وإنما رأى مثال ذاته المتخيلة في وهمه.
فإن قيل : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم له مثل ، والله تعالى لا مثل له.
قلنا : هذا كلام من هو جاهل بالفرق بين المثل والمثال.
فإن المثل هو المساوي في جميع الصفات ، والمثال لا يشترط فيه المساواة.
وتأمّل العقل ؛ فإنه معنى لا يماثله غيره ، وكثيرا ما يمثل بالشمس وليس بينهما من المناسبة إلا شيء واحد.
وهو أن المحسوسات تنكشف بنور الشمس كما تنكشف المعقولات بالعقل.
وقد ضرب الله عزوجل المثل لنوره بقوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) الآية.