أهل الفجور الثاني في نهاية الحال ، وقد رأينا في زماننا كلّا منهم.
فقد اشتهر بعض الناس بالتقوى ، والعمل بالشرع ، وقد صدر عنهم ما صدر عن أبي جهل ونحوه ؛ لكون قلوبهم قلوب الذباب ، ورأيناهم بعد الموت في البرزخ ، والورطة ، وكمال الحجاب ، واشتهر بعض الناس بخلاف ذلك ، ثم صاروا إلى مقام الرضا ؛ لكون قلوبهم خالية عن القصد بالسوء والأذى.
فالطائفة الأولى : لعنهم في الدنيا والآخرة ؛ لكونهم ممن أذى الله ورسوله ، وورثة رسوله.
والثانية : رحمهمالله في الدّارين ؛ لكونهم ممن أحب الله ورسوله ، وورثة رسوله.
كما قال تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] ، وقد وصل بعض الناس إلى الله تعالى من طريق المحبة ، فإن الوصول طرقا مختلفة.
قوله تعالى : (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ) [الأعراف : ٩٦].
: أي في مقابلة الإيمان ؛ لأن الفيض إنما ينزل من العلو ، والقلب علوي كما مرّ ؛ فكان المناسب للعلوي المتصف بالإيمان العلوي البركات السماوية العلوية ، فكما أن الأرض إنما تنمو بالماء السماوي ؛ فكذا القلب إنما ينمو بالفيض العلوي ، واستند الفتح على نون العظمة ؛ لأن الأسباب مهيّئة لا مؤثّرة ؛ فالفاتح هو الله تعالى من فضله.
قوله تعالى : (وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] : أي في مقابلة التقوى ؛ لأن التقوى من شأنه أن يوجد في الأرض كما سبق.
قال تعالى : (قالَ لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣].
: أي قال الله تعالى لموسى عليهالسلام حين طلب الرؤية : لن تراني يا موسى وأنت موسى ؛ وإنما تراني إذا كنت محمدا ، ولم تكون محمدا أبدا ؛ لوجوب اختلاف التعينات بالحكمة ؛ فهو : أي محمد صلىاللهعليهوسلم يراني ببصره وببصيرته ؛ لأنه لا حجاب له من كون لا جسما ولا روحا ؛ لأن اللطيف لطفه ، وجعل نورا محضا ، كما قال : «واجعلني نورا» (١) ، وأنت يا موسى تراني ببصيرتك في الدنيا ، وأنا رؤيتك ببصرك ، فلا تحصل
__________________
(١) تقدم تخريجه.