__________________
ـ وأيّ مماثلة بين نوره ونور الزجاج والمشكاة والشجرة والزيت.
وكذلك ضرب الله تعالى المثل للحياة الدنيا بالماء النازل من السماء.
وضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم المثل للإسلام بالقبة.
وضرب المثل للعمل باللبن ، وضرب المثل للقرآن بالحبل.
فأيّ مناسبة بين هذه الأمور وبين الأشياء المضروب لها الأمثال ، ولكن لما كان الحبل مثلا يتمسّك به للنجاة والقرآن يتمسّك به للنجاة صحّ التمثيل به.
وقس عليه ، وكل ذلك من باب المثال لا من باب المثل.
فكما صحّ ضرب الأمثلة لما ذكر صحّ ضرب الأمثلة لكل عارف لذات الله التي لا مثل لها لمناسبة معقولة من صفات الله تعالى.
واعلم أننا لو أردنا أن نعرف مسترشدا سألنا : كيف يخلق الله الأشياء؟ وكيف يعلمها؟ وكيف يريدها؟
وكيف يتكلم؟ وكيف يقوم الكلام بنفسه؟.
لا نقدر نعرفه معنى ذلك إلا بما عنده من صفات نفسه ، ولو لا أنه عرف نظير هذه الصفات من نفسه لما فهم مثال ذلك في حق الله عزوجل.
قلت : إن المثال جائز ، والمثل باطل ؛ وذلك لأن المثال هو ما يوضّح الشيء ، والمثل ما يشابه الشيء من جميع الوجوه ، وليس شيء في الوجود يماثل الحق تعالى.
فالمثال هو المرئي في الدنيا والآخرة ، كما سيأتي بسطه في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى ؛ لأنه لا يصحّ لعبد أن يرى الذات المقدسة ؛ لأنها تنفي بذاتها أن يكون في حضرتها سواها ،.
وهذا المثال هو المراد بقوله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت ربّي في أحسن صورة».
وفي رواية : «في صورة شابّ».
وهو المراد أيضا بقوله صلىاللهعليهوسلم : «خلق الله آدم على صورته».
وفي رواية صححها ابن النجار وأيّدها الكشف : «على صورة الرحمن».
فإنه لا يصحّ أن يكون المراد بذلك صورة الذات ؛ لأن الذات المقدّسة لا صورة لها إلا من حيث التجلي بالمثال ، كما يشهد لذلك خبر مسلم في التجلي يوم القيامة.
وكما تجلى جبريل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في صورة دحية الكلبي.
ومعلوم أن تمثّل جبريل في دحية ليس معناه أن ذات جبريل انقلبت صورة دحية ، وإنما ظهرت تلك الصورة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مثالا مؤدّيا عن جبريل ما أوحى به إليه.
ونظير ذلك قوله تعالى : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا)