قائمة الکتاب
إعدادات
مرآة الحقائق [ ج ١ ]
مرآة الحقائق [ ج ١ ]
تحمیل
قال عزوجل : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] ، علّق ذلك بأضيق شيء ، ودخوله تعليقا بالمحال.
ولا شك أن المعلّق محال ، فالفتح والدخول محال ، وفي ذلك وعيد شديد لأهل الإنكار والإصرار ، والواقعين في الأخيار والأبرار بتكذيب كراماتهم العلمية ، وآياتهم العرفانية.
وفيه إشارة إلى أنهم كالجمل في الضخامة حيث إنهم يربّون أجسامهم بالشهوات ، وقلوبهم بالإنكار ، وأرواحهم بالجمل والحجاب ، فكما أن الجهل وهو في تلك الضخامة لا يمكن أن يدخل في سمّ الخياط ، وهو في تلك الدقة والضيف ؛ فكذا كفار الحقائق لا يمكن أن يدخلوا في باب الملكوت ؛ لضيقه ، ولا أن يسلكوا على صراط المعنى ؛ لدقته ؛ بل أرواحهم المظلمة تبقى بعد الموت الطبيعي في جو الهواء ؛ كأرواح غيرهم من الفجرة ؛ بل الفجور المعنوي المتعلّق بالقلب أشدّ من الفجور الصوري بالقالب ، وكم من ساقط من أهل الفجور الأول في غاية الأمر ، وقائم من
__________________
ـ فأراد رضي الله عنه بهذا التمثيل تقريب العقول الضعيفة القول للإمام الجنيد ، فالإناء مثل مضروب منه لعقله ، والماء مثل مضروب لمعروفه وهو الله.
وقد اختلف الناس في تأويل هذا الخبر من علماء الرسوم ، ثم قال : المعرفة من كسب النفس ، فالحق قائم بها فالمعرفة نفسية ربانية جنانية.
وقال : بالباء عرفه العارفون ، وبزوالها صحّ الدوام لهم في المعرفة : أي به عرفوه ، ولما غابوا عن معرفتهم بمعروفهم صحّ لهم دوامها ، ولو غفلوا عنه بها ثبت لهم نقيضها.
ثم قال : وقال : المعرفة والسرور لا يجتمعان في أحد في الدنيا أبدا ، والمعرفة والحزن لا يجتمعان في الآخرة في أحد أبدا ما دام الرجل في هذه الدار ، فهو على قدم خطر ولو بلغ ما بلغ ؛ لأنها دار المكر والتبديل ، وقد ذم الفرح فيها لعدم تحقيق أسبابه من جميع الوجوه فإذا انتقلت إلى دار التمييز والتخليص وترآى الفريقان ، وانصبغ من انصبغ في الفضل والرحمة ، حينئذ يحق الفرح وقد أوتي العبد هنا الرحمة والفضل ، ويمنعه من الفرح بهما شغل القلب بأداء الحقوق هنا ، وهناك.