بالشرائع والأحكام.
وإمّا تكوينية : وهي الآفاق ، والأنفس جميعا ، والذين كذّبوا بها هم كفار الحقائق والحكم ؛ كالمنكرين في كل عصر من الأعصار ، فإنهم لاحتجابهم عن شهود الحق من شواهد التوحيد ، ومشاهد التكوين ؛ وقعوا في أهل الله ، وكلماتهم المتعلّقة بحقائق الآيات مطلقا ، فمن جادلهم في ذلك ؛ فقد جادل الحق في آياته ، ودخل في المكذّبين بها.
وقال عزوجل : (وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) [الأعراف : ٤٠] : أي عن تلك الآيات : أي بالإباء وعدم القبول ، والتصديق لأهلها ، فإن أدنى الأمر في ذلك التحلّي بحلية التصديق ، وإلا خيف عليه من سوء الخاتمة.
وأهل سوء الخاتمة لا يدخل الجنة ، ولا يفيض الله عليهم من مائها ؛ ولذا قال تعالى : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) [الأعراف : ٤٠] : أي بركات الفيض ، فإن الوحي إنما ينزل من صوب السماء ، وإن كان سرّه يبدو من القلب في الحقيقة ؛ إذ هو اللوح الحقيقي ، فلا شيء للقلب من الخارج في الحقيقة ، وإنما ينزل ما ينزل من جانب السماء الجهة التشريف ، فإن المقامات مختلفة في العلو ، والسفل ، والكلّي مراء لتجلّي الصور بحسب موطنها وتعيّنها.
قال تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) [الأعراف : ٤٠] : أي جنة القلب ، قدّم الفتح على الدخول ؛ لأنه طريقه ، وقد قال تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) [البقرة : ١٨٩] ؛ فالقلب الخالي عن الفيض ؛ لا يكون جنة ؛ ولذا رجّحت الجنان الأرضية على غيرها ؛ لاشتمالها على الأنهار الجارية.
ولا شك أن الله تعالى جعل من الماء كل شيء حي ، فما لا ماء فيه من البلاد ؛ فهو كالميت ، فكذا ما لا فيض فيه من القلوب (١).
__________________
(١) قال الإمام الجنيد : «العارف لون الماء لون إنائه» قبل الاتصاف بحسب الأواني من لا صفة له ، وكذلك فيما نحن بصدد بيانه ؛ لأن الأصل وحدة العين ، فقبل الصفات المتضادة ، وهي في الظاهر عين الظاهر ، وفي الباطن عين الباطن ، وفي الأوّل والآخر كذلك.
فقبل الأضداد ، وهي الحرارة والبرودة ، والحلاوة والمرارة ، وهو ما واحد ، وهذا من مدركات العقل لا كلام فيه.