قوله عزوجل : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الآية : ١٧].
: أي على نعمة الوجود وما يتفرع عليها ، والأكثر بحسب الكمية ، فإن أهل النار تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف ؛ وهم الكفار من الإنس والجن كما قال تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] لكن ترك الشكر قد يكون بترك الإيمان ؛ وهو حال الكفار ، وقد يكون بترك الطاعة ؛ وهو حال الفجّار ، وقد يكون بترك العزيمة ؛ وهو حال ضعفاء الأبرار.
فإن المقرّبين شاكرون الله تعالى على أبلغ وجه حتى أن بعضهم وقع له الحدث يوم موته سبعين مرة ؛ فجدّ الوضوء في كل عسرة حتى مات وهو على الطهارة ، فاعتبر لعلّك تفلح وتفوز ، (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف :
٢٠٠] فقل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأعراف : ٤٠].
اعلم أن الآيات إمّا تنزيلية ؛ وهي القرآن ، والذين كذّبوا بها هم كفار
__________________
ـ أعطي حقه إن الحق تعالى أراد بقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ)[ص : ٧٥] : أي يد تنزيه وتشبيه ، وإن شئت قلت يد وجوب وإمكان ، أو يد بخلاف سائر العالم ملكا وفلكا.
قال تعالى : (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يس : ٨٢] فهو مجموع العالم أجزاءه وله شرف الكلية على الأجزاء ، وعلى الأجزاء أن يطيعوه ولا يعصوا له أمرا ، فأمر بهذه الحكم البالغة له سجدة إلا طاعة ، والانقياد له إظهارا لشرفه على الخلق المخلق ؛ سيّما الملائكة عليهمالسلام ؛ لأنه كل الوجود ، فما فهم اللعين هذه المقدمات المطوية والأسرار الوجودية ، وحمّل الخطاب على غير محله حسدا من عنده ؛ فجادل وعارض وتطاول ، وذلك أنه لما فهم من لحن المخاطبة والقول إثبات الشرف لآدم ، وما علم أيّ شرف يوجب أن يطاع ، وينقاد بهذه السجدة ، فادّعى بطريق المعارضة لنفسه الشرف ، واستدلّ بأنه خلق من نار ، وظنّ أنه أعلى الاستقصات من حيث المكان ، ولم يعلم أن الطين أشرف الاستقصات ؛ فإن له الثبات والقرار ، وللنار الطيش والتهتك والاستكبار ، وما أعتبر أن التبن في الماء فوق التبر في المكان ، فغفل عن المكانة أو استكبر وعاند واستكثر من الحسد ، فعوتب. استكبرت وعاندت أم كنت من العالين في الاحتجاج ، ولك حجة في قولك ودعواك ، فهذا لسان تبكيت وتعريض ، وكان الأمر كما قلنا ظهر من آدم التمكين والثبات والتوجّه في الأمور والأناة ، والتدبّر وإصابة الفكر والنظر في العواقب ، وظهر منه قلة الأدب والجهل والتهتّك والطيش والخفة ، فإنه من مارج وهو نار مختلط بالهواء فله الخفة وعدم القرار والاستكبار.