سورة الأعراف
قال الله سبحانه حكاية عن إبليس : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) [الأعراف : ١٧].
: أي من طرق الأبديات ، والأزليات المتعلّقة بالمعاد والمبدأ ، فالآخرة داخلة في الأبديات ، والدنيا في الأزليات ؛ لأن الأولى أبدية نسبية ليست بأبد الآباد ، والثانية أزلية إضافية أيضا ليست بأزل الازال.
قال عزوجل : (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) [الأعراف : ١٧] : أي الأعمال الصالحة والأعمال الطالحة.
لأن الأولى : مظهر الإيمان ؛ ولذا قال تعالى : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [التحريم : ٨].
والثانية : مظهر الشمائل.
ولذا لم يكن للفجّار ، والكفار نور إذ لا يمين لهم آخذة بالطريقة اليمنى للعرش ؛ بل لهم شمال آخذة بالطريقة اليسرى له ، ويسار العرش أكوان ظلمانية ، كما أن يمينه آثار نورانية ، فكل فريق يهتدي في الدّارين لطريق السالك فيه ، إمّا بإرشاد الله تعالى ، أو بإضلال إبليس (١).
__________________
(١) قال ابن ناصر في شرح الفص الآدمي : و (إبليس) وكان اسمه حارث فأبلسه الله تعالى وطرده من رحمته ، وطرد رحمته منه ، فسمّي إبليسا : أي طريدا.
(جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعية) ؛ لأنه مظهر اسم المضل ، وآدم عليهالسلام مظهر لاسم الله الجامع لجميع الأسماء الظاهرة في المظاهر المسمّاة بالعالم ، والاسم المضل من جملة تلك الأسماء ، واللبس على إبليس حقيقة الأمر لجهله بنفسه ، فظنّه أنه الشرف من حيث النشأة العنصرية ، ثم ظن أن أشرف الاستقصات النار ؛ فرتّب بالفكر الفاسد على هذا الوهم الكاسد الأقيسة الباطلة والمقدمات العاطلة في نفسه وتوهّم منها النتيجة ، وامتنع عن السجود حين أمره الله تعالى وما اكتفى بمجرد الامتناع وكان أستر له بل فضح نفسه عند العلماء بإظهار استدلاله ، وجمع بين الجهل وسوء الأدب لخفته وطيشه.
وقال تعالى : (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[الأعراف : ١٢].
وهذه أول معارضة ظهرت من إبليس في صنعة الجدال ، فإنه جادل ربه وما أحسن في جداله ؛ لأنه ما