فهذا السرّ الوحداني راجع إلى وحدة وجوب الوجود ، فكما أن واجب الوجود واحد ؛ فكذا المظهر مظهر واحد في الحقيقة ، وإن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد في الصورة ، ثم يتفرّع ذلك إلى فروع متعددة ، بذلك صحّ الحكم بأن الواحد يصدر عنه المتعدّد ، كحال المركز في الدائرة مع النقاط الكثيرة فيها ، ثم إن ذلك المظهر إن اعتبر فيه الوصف الزائد ؛ فهو نبي وإلا فسلطان.
فالسلطان أيضا يجب أن يكون واحدا بحيث إذا بويع الخليفتان ؛ يجب أن يقتل الآخر ، فجميع الملوك الإسلامية يرجع حكمها إلى حكم الملك الأعظم منهم ، ولا
__________________
ـ قال تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ)[البينة : ٤] فتفرّقوا بعلم وبينة.
قال الله تعالى : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ)[البقرة : ٦١].
وقال تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الحديد : ٤] ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا وأنه على صراط مستقيم ، فافهم.
وهنا مسألة دوريّة ذكرها الشيخ رضي الله عنه في «الفتوحات» :
وهي أن الشرائع اختلفت لاختلاف النسب الإلهية.
واختلاف النسب لاختلاف الأحوال.
واختلاف الأحوال لاختلاف الأزمان.
واختلاف الزمان لاختلاف الحركات الفلكيّة.
واختلاف الحركات الفلكية لاختلاف التوجهات.
واختلاف التوجهات لاختلاف المقاصد.
واختلاف المقاصد لاختلاف التجلّيات.
واختلاف التجلّيات لاختلاف الشرائع.
واختلاف الشرائع لاختلاف النسب الإلهية ، فدار الدور ، وانتهى كلامه رضي الله عنه.
ثم نرجع ونقول : إن اختلاف الأمم باختلاف الاستعدادات والقابليات المختلفة كالماء فإنها حقيقة واحدة تختلف في الطعم باختلاف البقاع ، فمنها عذب فرات ومنها ملح أجاج وهو ماء واحد في جميع الأحوال لا يتغيّر عن حقيقته وإن اختلفت الطعوم ، كذلك أحديّة الطريق أنها حقيقة واحدة تختلف أحكامها باختلاف القوابل ، يعرف ما قلنا من عرف وحدة الوجود مع كثرة المشهودة بالذوق ، فافهم.
وانظر : مجمع البحرين (ص ١٣٣) بتحقيقنا.