اتفقت كلماتهم ، واختلفت كلمات غيرهم (١).
والحاصل أن المنهل وإن كان واحدا عذبا لكن الواردين على مشارب مختلفة ، فلم يتغيّر العلم إلا من المشارب ، كما لم يتغيّر الماء إلا من اختلاف الطريق روحا.
وأمّا جسدا فلأن آدم كان خليفة الله في عصره ، ولم يزاحمه أحد في ذلك ؛ فهو خليفة الله من حيث المنصب ، وخليفة نبينا صلىاللهعليهوسلم من حيث الفيض ؛ لأنه مستفيض من باطن روحانيته كسائر الأنبياء.
وأمّا التعدّد في بعض الأوقات كما يحكى أن نبيا غير واحد كانوا يدعون إلى الله في عصر واحد ؛ بل في بلدة واحدة ، فذلك يرجع إلى حقيقة ، ودعوة واحدة ، فالتعدّد في ذواتهم لم يكن منافيا لتوحد كلماتهم ، واتفاق دعواتهم ، فهم كنبيّ واحد ، وكلّهم كانوا ورثة الخلافة المحمّدية لما ذكرنا من وحدة الأصل (٢).
__________________
(١) قال سيدي علي وفا قدسسره في المسامع : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [البقرة : ٢١٣] ، مع ما أورده وجودهم الطبيعي بلا فرقان ، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) [البقرة : ٢١٣] ؛ إذ ظهر بنواطقهم حقّا مبينا فرقانيّا ، (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [البقرة : ٢١٣] ، فافترقوا وزال حكم وحدتهم.
(وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود : ١١٨] ؛ إذ في ذلك تعبدهم لمن تنزه عندهم عما به قيّدهم ؛ إذ غايرهم ، وبمغايرته عقدهم ، وانعقد فيما نزهوا به عنه منه معتقدهم.
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود : ١١٩] ، فحققهم به بجمعيتهم على ما به فرقهم ، فهم أرباب الجمع والفرقان بحقهم المبين ، (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)[هود : ١١٩].
(٢) فائدة : قال الشيخ ابن ناصر الكيلاني في شرح الفصين : (وإن اختلفت الملل والنّحل لاختلاف الأمم) قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود : ١١٨] فما زلنا من الخلاف ؛ لأنهم : أي أهل التحقيق قد خالفوا المختلفين ، ولذلك خلقهم ، فما تعدّى كل خلق ما خلق له ، فالكل طائع في عين الخلاف.
كما ورد الحديث الصحيح ، والنص الصريح : «كلّ ميسّر لما خلق له» فافهم.
فقال رضي الله عنه : وإن اختلفت وبانت كثيرة ولكن لا تناقض الكثرة الموهومة الأحدية الحقيقية ، كما أن كثرة الأعيان الثابتة ، والمظاهر الخارجية لم تمنع وحدة الوجود والحال كالحال.
وأمّا الاعوجاجات الوهميّة لا تناقض الاستقامة ؛ لأن الكل في أحدية صراط الله أخذ بناصية كل دابة وهو على صراط مستقيم ، فأين المفر؟ وهكذا الأمر ؛ لأن استقامة القوس في اعوجاجه ، فافهم ، فإذا كان الأمر هكذا.