سورة الأنعام
قال الله تعالى : (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) [الأنعام : ٦٢].
اعلم أن الحكم خطاب الله تعالى في عباده بالأمر والنهي ، والثواب والعقاب ، ودلّ تقديم الجار والمجرور على تخصيصه به تعالى ؛ والمراد بالضمير هو الهويّة ، ولا شك أن الهويّة الساري سرّها في العوالم كلها هويّة واحدة لا تعدّد فيها إلا باعتبار تعدّد الماهيات ، والحقائق.
وهذا التعدّد الاعتباري لا ينافي الوحدة الحقيقية ، كما أن نور الشمس نور واحد في الحقيقة ، وإن تعدّد مطارحه ، وتفرّق أطواؤه ، وله أمثلة كثيرة لا تحصى ، ولتوحّد الهويّة ؛ توحّد الحكم في العالم روحا وجسدا.
أمّا روحا : فلأن الله تعالى لمّا تجلّى بالنور المحمّدي ، وأظهره من بطون الغيب ؛ نصّبه ملك الملكوت على الأرواح ، وكذا دعاهم إلى المبايعة ، وكلمة التوحيد ، كما يدعو السلطان إلى مبايعته ، وتوحيد الكلمة في حقه ، فإنه إنما يضلّ من ضلّ من التفرّق.
وقد قال تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [البقرة : ٢١٣].
فكانوا أمة واحدة في الأرواح بلا تفرّق ؛ إذ لم يكن هناك دواعي الهوى ، ونوازع التفرّق ، وكذا كانوا أمة واحدة في أوائل خلافة آدم عليهالسلام ، ثم لم يزل الأنبياء على الاتفاق في الأصول ؛ ولذا كان الكمّل على آثارهم ظاهرا وباطنا ؛ لأن المنبع واحد لا يختلف ، فظاهره العدل ؛ وهو الميزان القسط ، وباطنه الفضل ؛ وهو الفيض الكلّي.
فكان اتفاقهم بحيث لم يختلف كلمتهم لا في باب العدل ، ولا في باب الفضل ؛ بل اتفقت الألفاظ أيضا ؛ لرجوعهم إلى أصل واحد بخلاف حال غيرهم ممن هو دونهم ؛ لاختلافهم في الأسماء ، وكون أسمائهم من الأسماء الجزئية ؛ فكان التجلّي الكمّل من حيث أسماؤهم الكلية فوق التجلّي لغيرهم من أهل الأسماء الجزئية ؛ ولذا