فإن العبادة الشرعية التكليفية منوطة بكلمة التوحيد ، والعبادة من الأفعال ، كما أن الكلمة من الأقوال ، وعليه قوله تعالى في أوائل سورة البقرة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) وذلك أن القوم كانوا عبدة الأصنام ؛ فنهاهم الله تعالى عن عبادتها لما فيها من الشرك ، وأمرهم بعبادته لما فيها من التوحيد.
إذ لا يخفى أن من عبد الله تعالى وحده مخلصا له الدين ، فهو إنما يبنى ذلك على كلمة التوحيد ، وإلا لم يعبده ؛ فكأنه تعالى يقول : وحّدوا الله تعالى ، واعبدوه وحده ؛ فإنه واحدا بالذات ، فهو المستحق للعبادة ، وذلك نظير قول بعضهم :
إن الكفار مخاطبون بالفروع : أي بعد الاتصاف بالأصول ، فيعاقب على ترك كل من ذلك ، فإن الشيء إذا ثبت ؛ ثبت بلوازمه.
ثم إن العبادة : إمّا تكليفية ؛ وهي المأمور بها على ألسنة الرسل ، وإمّا ذاتية ؛ وهي العبادة الفطرية ، فالثقلان مأمورون بالعبادة التكليفية ؛ امتحانا لهم من الله تعالى لما فيهم من الدواعي التي تنازعها ، فهم المخصّوصون بإرسال الرسول.
وأمّا الملائكة وسائر الكائنات من ذي روح وغيره فعبادتهم فطرية ذاتية إذ لا يقتضي ذواتهم التكليف ؛ لارتفاع الموانع عن العبادة دلّ عليه قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤] : أي يسبّح لله ، وينزّهه عن التقيّد بالوجودات الحادثة ، فإن الآن على ما كان عليه قبل ، وبحمده تعالى على نعمة الوجود ، فله التقرّب إلى الله بكل ما يمكن إلا القربان ؛ فإنه مخصوص بالإنسان.
ولذا وجب العقيقة في بعض المذاهب ، وقوله : ربي وربكم ، إنما لم يكتف بالثاني نفيا للمعبودية عن نفسه ، كما زعمها بعض قومه ، وإليه الإشارة في هذه الشريعة بقولنا : وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، فجميع الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ عباد الله المرسلون إلا أن بعضهم أقرب إليه كما زعموا ؛ وذلك لأن الإله لا يكون مرسل ـ بفتح السين ـ فاعرف.
* * *