وقال الله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة : ١١٧].
لم يقل : ما بلغتهم أنا إلا ما أمرتني به أنت ؛ ليحصل الفرق بين قومه ، وبين هذه الأمة المرحومة ، فإن الله تعالى إنما خاطب قوم عيسى عليهالسلام بواسطة عيسى عليهالسلام بخلاف هذه الأمة.
ألا ترى إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ، *) وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا*) حيث لم يقل : قل لهم : يا أيها الناس ونحو ذلك.
فشرّفهم في بعض المواضع برفع الواسطة صورة ، وإن كان ذلك مقولا على اللسان النبوي في الحقيقة ؛ فصار كقوله : (يا أيها النبي ، يا أيها الرسول) وفي ذلك رفع لمنزلتهم ، وتنويه بشأنهم ، وتلويح لكمال استعدادهم ، ورمز إلى أن أكامل الإنسان قد يأخذون من الله بلا واسطة خلافا للفلاسفة فإنهم ذهبوا إلى وجوب الواسطة ؛ لأن ترتيب الكائنات ، وسلسلة الممكنات يقتضي ذلك بصورتها ، وهو باطل.
كما أشار إليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل» (١).
وما ورد : «إن آمن الرسول إلخ» (٢) ، وبعض الآيات نزلت ليلة المعراج بلا وساطة الملك ، فإذا ثبت هذا المقام للمتبوع ؛ فقد ثبت لبعض التابع أيضا إذ لا قائل بالتخصيص.
ومنه قوله تعالى للشيخ محيي الدين العربي قدسسره : أكبر مشهدي ، فسمّي الشيخ الأكبر ، وسرى ذلك إلى بعض أولاده المعنوية ، فسمّى الولد الأكبر ، ثم إن المأمور به إمّا قول ، وإمّا فعل ، وكلاهما داخل في التفسير وهو قوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة : ١١٧].
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه البخاري (٤ / ١٦٥٢) ، ومسلم (١ / ١١٥).