وفي : (كلما) : إشارة إلى أنه بين الخوف والرجاء ، ولا يزال على تلك الحالة إلى أن يحصل له كمال الرضاء في مقام التمكين ؛ فإنه نهاية مقامات الصفات ، كما أن التوكّل نهاية مقامات الأفعال ، والفناء نهاية مقامات الذات.
فمن صحّ توكّله ورضاءه ، وفناءه ، وفي المقامات الثلاثة ؛ انطفأت نيرانه ، وبردة حرارته ، وكان مع الله على كمال رضى واطمئنان ، وصفوة بال في كل حال من الأحوال في كل هذا من الصعوبة مال لا يخفى.
وفي قوله : (نار) إشارة إلى هوى النفس ، فإن النار ناران : نار النفس ؛ وهي الهوى ، ونار الطبيعة ؛ وهي الشهوة ، وفي كل منهما حرارة للقلب ، والنفس ، والطبيعة أية حرارة ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل السّلام لا من أهل الحرب ، إنه بعباده رءوف رحيم.
قال الله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [المائدة : ١٠٥].
يعنى : واظبوا على خدمة الحق تعالى بأنفسكم ، ولمّا كان لفظ (عليكم) يقارب في الرسم لفظ عملكم ؛ رسم لي ، كذلك في بعض الأسحار ، فرأيت عليكم مقروءا به ، وبلفظ علمكم ؛ يعني : عليكم علمكم أيضا بالعمل بموجبه ، فمن لم يعمل بموجب علمه ؛ لم يفلح أبدا ، وكذا من كفر بما أنزل الله عليه ؛ لم يفلح أبدا.
والمراد : (بما أنزل الله) ما يرد قلوب المكاشفين سواء كان من الآيات القرآنية أو غيرها ، فإن المنزّل هو الكلام الإلهي في أيّة لغة ورد.
والمقصد منه أنه لا بد من الاجتناب عن الشكوك ، والظنون ، والأوهام ، والخيالات ، فإن الله لا يقول إلا الحق ، والموعود يكون البتّة سواء طال زمانه أو قصر ، فلا بد من الصبر ، وقد ينزّل بعض الأمور ؛ ولكن لا يكون من قبيل المحكمات ؛ بل من طريق المتشابهات ، فيحتاج إلى التأويل ، ولا يعلم تأويه إلا الراسخون في العلم ، وهذا من مذالق الأقدام ، كم من قدم زلّت فيه ، ومن مشى على المراتب ؛ أمن من العثار ، والله الحفيظ لعباده ، والوصل إلى المنزّل لا بهداية ، وإرشاده والعبد بيده في الصباح والمساء ، فعليه بالترجّي لعلّ وعسى.