وقد بقى في مرتبة العشق كثيرون ؛ لأنه مقام قاب قوسين قبل الوصول إلى أو أدنى ، فإذا حصل الوصول إلى أو أدنى ، وتحقق الرجوع منه إلى قاب قوسين ؛ فهو صاحب قاب قوسين أو أدنى جميعا (١) وله الحقيقة الجامعة ، والمشهد الأعلى ، والمنظر
__________________
ـ يكن متعينا حال رؤية الشيء نفسه لنفسه.
وهذا سرّ ، من اطّلع عليه عرف سر الذوات ، والصفات والأحوال ، والمرايا والمحال ، وإن العالم بحقائقه وصوره مرآة للحق من وجه ، والحقّ من وجه آخر مرآة للعالم ، وقد نبّهت على الوجهين ، فتذكّر.
ثم اعلم أن أكثر الأولياء ، وكثيرا من الكمّل أدركوا الوجه الواحد من الوجهين المذكورين ، ورأوه الغاية ، ووقفوا عنده ولم يتعدّوه.
وطائفة منهم وقفوا عند الوجه الآخر ؛ وكلا الأمرين أبديّ الحكم واقع في كل زمان دون توقيت ومناوبة.
وذكر لي شيخنا وإمامنا رضي الله عنه بأخبار من الحق له ، ونص صريح أنه لا أعلى من هذا الذوق ، ولا أكمل منه في نفس الأمر ؛ فمن منحه فقد أدرك من الحق ما لا يمكن أن يدرك وينال أحد أتم منه ، فاعمل الهمّة ، وابذل المجهود ، فعلى مثل ليلى يقتل المرء نفسه.
وقد حصل لنا ذلك بحمد الله ومنه عناية وموهبة ، فاجتهد يا أخي في أن يحبك الحق لا غير ، فإنه إذا أحب الحق شيئا ناله وأناله ، وأما غيره فقد يحب ولا ينال ، وإن نال أمرا مما يحب فلا يقدر أن ينل غيره ما لديه ؛ لأنه قد لا ينقل ولا ينقال ؛ بخلاف الحق سبحانه فإنه على كل شيء قدير ، فافهم ، والله أعلم.
(١) النبي صلىاللهعليهوسلم صاحب قاب قوسين أو أدنى : أي صاحب قرب الله منه ليلة الإسراء ، كقرب قاب قوسين بل أدنى من ذلك.
والقاب : ما بين المقبض : أي المحل الذي يقبض القوس منه ، وقوسين بكسر السين وتخفيف الياء : أي محل عقد الوتر بالقوس ، وذلك أول الوتر ، فلكل قوس قابان ، وحينئذ ففي الكلام قلب ، والأصل كقابي قوس : أي كقرب أحد القابين من الآخر ، والتشبيه بذلك جريا على عادة العرب إذا أراد ، والمبالغة في قرب شيء من آخر.
وقيل : الكلام على ظاهره ، والمراد بالقاب : الجنس الصادق بالقابين : أي مقدار ما بين قابي القوس من المسافة.