ويفنى ، ولا يبقى إلا المحبة الحقيقية المعتدلة فاعرف (١).
__________________
(١) قال الصدر القونوي قدس الله سره : اعلم أن المحبوب إنما أحب المحب لكونه سببا لاستجلاء كماله فيه ، ومحلا لنفوذ سلطنة جماله وبسط أحكامه ، فالمحبوب مرآة المحب يستجلي فيها محاسن نفسه المستجنة في وحدته قبل تعين المجلي ؛ لأن القرب المفرط والتوحّد كانا يحجبانه عن ذلك ، فإذا استجلى نفسه في أمر آخر بحصول ضرب من البعد والامتياز قريب من الاعتدال ، ورأى محاسن نفسه في المجلي ؛ أحبّها حبّا لا يتأتّى له ذلك بدون المجلي ، والامتياز المشار إليهما لما ذكرنا من حجابيه القرب والوحدة.
وأيضا ؛ فنسخة الحقيقة الإنسانية تشتمل على ما تستحق أن يحب كل الحب ؛ وعلى ما ليس كذلك ؛ بل يقتضي النفرة بالنسبة لما يضاده من الحقائق ويقابله ، فإذا تعيّن مجلي يتميز به وفيه من الإنسان ما يستوجب المحبة صفة كان أو فعلا أو حالات أو أمرا مشتملا على جميع ما ذكرت أو بعضه ؛ وارتفع حجاب القرب المفرط وغيره من البين ؛ ظهر سلطان الحب طالبا رفع أحكام الكثرة والمغايرة بتغليب حكم ما به الاتحاد على حكم ما به الامتياز ، فأحب نفسه فيما يغايره من وجه وباعتبار مقتض للتمييز المذكور بالصفة الذاتية التي فيه الطالبة كمال الجلاء والاستجلاء ، فإن هذه الصفة هي المستدعية إيجاد العالم.
والمقصود من الإيجاد ليس غير ما ذكرنا ، وكل ما ذكر في ذلك من موجبات الإيجاد فرع وتبع لكمال الجلاء والاستجلاء ، فافهم.
فحكم هذه الصفة ؛ أعني كمال الجلاء والاستجلاء مشترك ، وسار في كل محبّ ؛ فيوجب له أن يجب ما ذكرنا ، وإن اختلفت الوجوه والاعتبارات ، وكذلك حكم حجابية القرب المفرط ، والإدماج الذي يتضمنه ؛ هو أمر مشترك بين المحب والمحبوب من كون كل واحد منهما من وجه محبّا ، ومحبوبا من آخر ؛ كما ذكرنا غير أن بينهما فيما ذكرنا فروقا متعددة ، منها : إن «المحبوب» : مرآة ذات المحب من حيث ما يقتضي أن يحب ؛ فهو يستجلي فيها نفسه ، ويستجلي أيضا بعض محاسنها بالتبعية.
و «المحب» : مرآة كمال جمال المحبوب ، ومحل نفوذ أحكام سلطنته كما مرّ.
وبهذا الحكم سار في كل محبّ ومحبوب دون استثناء ؛ وإن شان الحق سبحانه مع خلقه بهذه المثابة ، فنحن من حيث حقائقنا التي هي عبارة عن صور معلوميتنا الثابتة في علم الحق أزلا ، مراء ؛ لوجوده المطلق الذاتي ، وحضرته مرآة لأحوالنا المتكثرة وتعدداتنا ، فنحن لا ندرك إلا بعضنا بعضا ؛ لكن في الحق ؛ فنحب منا به ما نستجليه فيه ، وليس غير الصفات والأحوال ؛ وهو يحب فينا نفسه من حيث أن رؤيته لنفسه في مرآة مغايرة له من وجه مخالف لرؤيته نفسه في نفسه لنفسه ؛ بل لا رؤية هناك ولا تعدّد ؛ لأن المرآة المغايرة من حيث أنها محل التجلي المتقيّد بها تبدي فيما ينطبع فيها حكما لم