تجليّاته المتنوعة أبد الآباد في كل موطن ومقام دنياويا ، وأخراويا ، وبرزخيا ، أو حشريا ، أو جنانيا ، أو كثيبيا.
وإليه يشير قولهم : الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق : أي كل خلق من المخلوق يتنفّس بنفس مخصوص من الأنفاس الرحمانية لا يشاركه فيه غيره ، وذلك من باب الغيرة الإلهية حتى لا يطّلع أحد على أحد في طريقه ؛ لأنه ليس هناك إلا السير الأحدي حقيقيا كان أو نوعيا ، فافهم هذا السرّ جدا.
فالشرعة هي : شرعة الأعمال التي يردها السالك ؛ لتهديه إلى عين الأجر الأخروي ، المنهاج هو : منهاج السير الأحدي الذي يرده السائر ؛ ليوصّله إلى عين النور وهو نور السماوات والأرض ، وضياء الأجسام والأرواح.
فاختلاف المناهج الشرعية ؛ يستلزم اختلاف المناهج السيرية ؛ لأن الظاهر عنوان الباطن ، والمجاز قنطرة الحقيقة ؛ لكن لأكامل الناس أحوال غريبة في شرائعهم ومناهجهم يخفونها عن الناس ؛ لأن اختلاف المذاهب ليس من حيث الحقائق ؛ بل من حيث الصور ، فلهم سير أحدي من حيث الصور والحقائق جميعا لا يوقعهم في الاختلاف ؛ اختلاف الناس.
وإن كانوا يتأدّبون بالأدب التي ندب إليها ظواهر الشرائع ، كمن كان متقلدا بمذهب أبي حنيفة رحمهالله تعالى ؛ فإنه يجرى على مذهبه في الصورة من غير إخلال بشيء من اجتهاده وفروعه ؛ لكنه ليس بمتقيّد بواحد من المذاهب في الحقيقة ؛ بل يجري سنن واحد في السير على المنهاج النبوي ، فله حكم الأدلية ، وحكم الصدر الأول.
فإن مرتبة الصحابة رضي الله عنهم باقية إلى يوم القيامة (١) :
__________________
(١) إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كلّهم أنوار ليس فيهم ظلمة ؛ لتوهّج ضياء شمس النبوة عليهم ، وكمال محاسنهم ، ثم ان الشمس إذا غربت تظهر الظلمة عقيب غروبها ولا تظهر إلا الكواكب الكبار ، فكلما تغرب عن الأفق تكثر الظلمة ، فتظهر سائر الكواكب إلى أن يظهر فجر الوعيد ، وأيضا الصحابة كانوا أهل حقّ ، وسنّة ، وطاعة ، وعدل ، ومعروف ، ثم ظهر بعدهم عكس ذلك من الباطل والبدع ، والمعاصي ، والظلم ، والمنكر ، فبثّ الله تعالى في سائر البلدان رجالا قلّدهم سيوفا ماضيات تقطع أعناق المنكرين عليهم.