فإذا كشف الغطاء عن وجه الحقيقة من هذين الحجابين ؛ لم يبق فيما ورائهما إلا حجاب يسير نوراني ، كحجاب السحاب الأبيض على الشمس ، وهذا هو القدر الذي يتكلّم فيه ، وأمّا التفصيل فلا يؤذن لأحد في ذلك إلا لأهله ؛ وهم الصدّيقون الحافظون للأسرار المراعون للأطوار.
قال الله تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) [المائدة : ٢١].
أي : إذا وجب عليهم دخول تلك الأرض ، فكيف يجوز دخول مصر فرعون وهو الأظهر ، والمصر البلد العظيم من مصر الشىء يمصره أي : قطعه سمى به لانقطاعه عن الفضاء بالعمارة ، وقد تسمى القرية «مصر» كما تسمى المصر قرية ، وهو ينصرف ولا ينصرف فصرف هاهنا ، لأن المراد غير معين ، وقيل : أريد به مصر فرعون ، وإنما صرف لسكون وسطه ، أو لتأويله بالبلد دون المدينة ، فلم يوجد فيه غير العلمية قال تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦٢] تعليل للأمر بالهبوط أي : فإن لكم فيه ما سألتموه من بقول الأرض.
قال الله تعالى : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) [المائدة : ٢٦].
أراد أرض القدرة بقرينة أن الله تعالى غذّاهم في التيه بالمنّ والسّلوى ، وذلك من عين المنّة ، ومحض القدرة لا بسبب من الأسباب المتعلّقة بعالم الحكمة.