قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    مرآة الحقائق [ ج ١ ]

    مرآة الحقائق

    مرآة الحقائق [ ج ١ ]

    تحمیل

    مرآة الحقائق [ ج ١ ]

    175/436
    *

    فالتية أرض القدرة ، ومصر أرض الحكمة ، والمدة فيما بينهما من حيث القطع والوصول أربعون سنة ، فإن الداخل في عالم القدرة ؛ وهو أهل الفناء ، وإن خرج إلى عالم الحكمة ، وهو عالم البقاء ، فإن بقاءه لا يكمل له إلا في أربعين سنة ، أو في قريب منها على حسب ما يقتضيه استعداد كل فان وباق ، فإن الأكمل استعدادا قد يقوم له الأمر في أقل من مدة الأربعين سنة فصاعدا على ما شاهدته في شيخي الإمام الأكمل السيد عثمان الفضلي قدس‌سره.

    فظهر أنه كما أن الدخول في مصر الصورة المتعلّقة بالأسباب لا يحصل إلا مدة أربعين ؛ ليأكل منها أنعامهم وأنفسهم الحيوانية ؛ فكذا الدخول في مصر الوجود بعد الفناء ؛ لا يكمل إلا في تلك المدة ؛ ليأكل منها أنعامهم ، وأنفسهم الإنسانية ، فأنعامهم أنفسهم المزكّاة ، وطبائعهم المصفّاة تأكل مما يأكل الناس من الأغذية الصورية ، وتكون لهم نورا في عروقهم ، وأنفسهم ، وأرواحهم المطهّرة عن دنس التعلّقات الفانية تأكل مما لا يأكله الناس من الأغذية المعنوية ، فهذا التمتّع من كلا الوجهين لا يحصل لهم إلا بعد الارتداد إلى عالم البقاء ، فإن عالم الفناء قد لا يقتضي الغذاء إذا كان الانجذاب قويا ، والشكر غالبا.

    قال الله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨].

    اعلم أنه كما أن في الآفاق شرائع ومناهج بالنسبة إلى أهل الآفاق بها يتديّنون ، وعليها يجرون ، فكذا في الأنفس شرائع ومناهج بالإضافة إلى أهل الأنفس ؛ لأن المشارب مختلفة ، ومن عين الرحمة (١) تنوعت التجليّات ، واختلفت المشارب.

    __________________

    (١) عين الرحمة هو رسول الله سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الرحمة : عطف ، وميل نفساني غايتها التفضّل والإنعام. وجعل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عين الرحمة : أي نفسها إشارة إلى أنها مزجت بذاته ، واستحال انفصالها عنه ، حتى كأنه هي ، وكأنها هو : أي ركب منها ، وطبع عليها ، وخلق منها ، كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)[الأنبياء : ١٠٧] يجوز نصب (رحمة) على الحال على أنها بمعنى اسم فاعل ، أو على حذف مضاف : أي ما رحمة ، أو مفعولا من أجله ، والعالمون قيل : الجن والإنس وعليه الجمهور ، وقيل : الملائكة ، وعليه غير واحد من المحققين ، ويدل عليه أيضا : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً)[الفرقان : ١].

    وعلى كلّ فهو رحمة للمؤمنين بالهداية والأمان ، وللكافرين بتأخير العذاب ، ولسائر الحيوانات ؛ لأن