سورة المائدة
قال الله سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ٦].
أيها السالكون مسلك الإيمان الشهودي بعد الإيمان الغيي ، قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) [المائدة : ٦] إذا أردتم القيام إلى المعراج الحقيقي ، والتوجّه العلوي ، والوصل الكلي ، وفي ذلك دلالة على أنه لا بد من تحقق هذه الإرادة ، فإن سير الإنسان دوري لا مستطيل ، فمن نزل إلى أسفل سافلين ؛ وجب عليه أن يصعد إلى أعلى علّيين الذي تحرك منه إلى هذا العالم فكان ذلك كالوطن الأصلي ، ولا ريب ان الغريب يميل إلى وطنه.
وأمّا قوله صلىاللهعليهوسلم : «فطوبى للغرباء» (١) ؛ فالغرباء فيه : هم الغرباء الحقيقيون ، وهم الذي وصلوا إلى مقاماتهم العلوية الأصلية ، فكانوا بالنسبة إلى معارفهم أهل الأوطان ، وبالنسبة إلى غيرهم ، وهم كثيرون أهل الغربة إذ لا يعرفهم أحد إلا الله ، أو من عرفه اله أو ألحقه به في مقامه وهم قليلون ، فهم بالنسبة إلى أكثر الخلق غرباء ؛ لقلة معارفهم ؛ بل لا معارف للكمّل الندر في أعصارهم ، فهم المعلومون المجهولون فافهم جيدا.
قوله عزوجل : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦].
: أي وجوه حقيقتكم ، وهويتكم عن أدناس التعلّقات الروحانية ، وأزيلوا عنها الحجب النورانية اللطيفة بدائها بالأمر بإزالة هذه الحجب ؛ لأنها أول ما احتجب به الحقائق ، والهويات في سيرها إلى عالم الخلق ، وعند هذه الحجب خلق كثير محجوبون محبوسون لا طريق لهم إلى خرقها إلا العناية الأزلية.
وفي الغسل : إشارة إلى محو الهيئات النورانية التلوينية مطلقا ؛ ولذا قال الله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] : أي لا يسر سر الهويّة الذاتية إلا المطهّرون عن أدناس التعلّقات مطلقا.
قوله عزوجل : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦].
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ١٣٠) ، والترمذي (٥ / ١٨).