وقربتهم الباهرة إلا أن العقل الأول المخلوق في الصورة المحمّدية له ما لهم مع ما له من فضل باطن زائد على ما لهم.
أمّا الأول : فلأن المهيمة وإن كانوا أنوارا عالية ؛ لكن العقل الأول أيضا من الأنوار لأن قوله : و (اجعلني نورا) ؛ يشير إلى أن أصله من الأنوار إلا أنه لمّا عارضه العين الخارجي ، والتسبيح الصوري ؛ دعا بأن يجعله الله نورا ، ويردّه إلى أصله الأول.
ولا شك أنه مستجاب فيه فهو روح في صورة جسد ، وعقل في ذي نفس ، ومن هذا قال : «ينام عينا قلبي» (١) ؛ فإنه يشير بذلك إلى أن الغفلة البشرية لا تطرأ على قلبه ؛ بل هو من الاعتدال بحيث إنه قلب الأقالب ؛ فكان بهذه الحيثية نورا عاليا مبصرا في الصلاة من جميع جهاته التي تعطي التقييد لكمال إطلاقه ، وأيضا قربتهم وإن كانت قربة زائدة من حيث إنه لا واسط بينهم وبين الله.
فالعقل الأول له جهتان : جهة الواسطة التي تعطيها الأسماء الجزئية ، والجهة التي بلا واسطة ؛ وهي التي تعطيها الأسماء الكلية الذاتية.
ولذا قال صلىاللهعليهوسلم :
«لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبي مرسل» (٢).
فإنه أشار إلى عدم الواسطة ، وتلك الجهة أعلى فيه مما في المهيمة ، كما دلّ عليه السلب ؛ وهو انه لا يسعه فيه ملك متقرّب : أي فحاله في ذلك الوقت أوسع من حال من عداه أيّا كان (٣).
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) قال سيدي عبد الكريم الجيلي : فالأنبياء والأولياء والملائكة وسائر المقربين من سائر الموجودات ليس عندهم من المعرفة الذاتية ومحمّد صلىاللهعليهوسلم الذي هو قلب الوجود هو الذي عنده الوسع الذاتي للمعرفة الذاتية ، وإلى ذلك أشار صلىاللهعليهوسلم بقوله : «لي وقت مع ربّي لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل» انتهى.