والذوق ، وإن كانوا أفضل منه مكانة وخلقة ؛ فإن الملائكة خلقوا من النور ، والبشر من العناصر.
ولذا كان صلىاللهعليهوسلم يقول : «واجعلني نورا» (١) ، فمن أفضليتهم بالرتبة العليا ، والخلقة الفضلى لا يلزم أفضليتهم على البشر من كل الوجوه ؛ بل هم جزء الإنسان الكامل ؛ لأن الله تعالى خلقهم على جناح واحد ؛ وهو جناح الجمال ؛ وخلق الإنسان على الجناحين ؛ وهما جناح الجمال والجلال على ما أشار إليه قوله تعالى : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ١٥].
فكما أنه فرّق بين ملك وملك ؛ كملائكة الأرض ، وملائكة السماوات ، والملائكة المعبّر عنهم بالمهيمة ؛ فكذا فرّق بين بشر وبشر ، فمن البشر من هو أفضل من كل البشر ، ومن كل الملائكة ولو من بعض الوجوه ، فإن الفاضل من وجه قد يكون مفضولا من وجه آخر فاعرف.
والحاصل أن المهيمة وإن كان لهم فضل ظاهر من حيث نورانيتهم الغالبة ،
__________________
ـ المقامات الكبرى أنه سبحانه كمل فأوجد ؛ لم يوجد ليكمل ، فإيجاده نتيجة كماله ، ليس كماله نتيجة إيجاده ، فإن كنت محذيّا على صورة حضرته فكذلك فلتكن ، فيصدر الفعل المحمود المسمى خيرا منك ؛ لكونه خيرا ؛ لا لغرض يصحبه توخي حصوله بذلك الفعل.
ومعنى قولي «لكونه خيرا» ليس بمعنى أن العلم بخيريّته أوجب صدوره منك ؛ بل تصير بحيث لا يمكن أن يصدر منك إلا من هذا شأنه.
وترى فعلك مع هذا الوصف الإطلاقي مطابقا لأحكام المراتب الشرعية والعقلية ، لكن غير منحصر فيها بالنسبة إلى إفهام المحجوبين ؛ كما هي الأفعال المنسوبة إلى ربك لا يمكن معرفة أسرار جميعها ولا تنحصر في ميزان معين ولا يستوعب أحد ما يتضمّنه من الحكم ، ولا توجب الحكمة عليه فعل أمر ما ، وإن لم يخل فعله من الحكم البالغة ؛ بل يفعله هو عين الحكمة ، ولبّ المصلحة ، وثمرة الكمال الذي هو أصل أيضا لكمال آخر مستجن في كماله الذاتي الأول الظاهر بواسطة الأسماء وأحكامها.
والعبد على خلق سيده ، وإن جهل أمره ومقصده ، فذلك أيضا عنوان صحة حاله الدال على كمال مضاهاته.
وكفاه ذلك شرفا وبهاء ورئاسة تعلو على كل رئاسة وتحكم على كلّ كمال مقيّد وحال ، والله أعلم.
(١) رواه مسلم (١ / ٥٢٨) ، وأحمد (١ / ٢٨٤).