وجهان : الأول : أن يكون لهم قبول عند الناس حتى يحصل لهم ما أرادوا من المصالح من غير تقلّد بشيء من الأمور العرفية ؛ كالشيخ محي الدين العربي قدسسره ؛ حيث كان له قبول عند سلطان حلب في وقته ، حتى شفع في يوم واحد في الأمور الكثيرة المتجاوزة عن المائة ، وجملة الشفاعات كانت مقبولة عند السلطان ، فكان في الكل على مراد الشيخ ، وكان مراد الشيخ من ذلك إسعاف الحاجات ، وجلب المنفعة لبعض ، ودفع المضرّة عن بعض لا أمرا آخر يتعلّق بنفسه ، فإنه ونحوه مطهر عن مثل ذلك الدّنس.
والوجه الثاني : أن يكون لهم تقلّد بمثل ما ذكر.
فهذا هو الذي يفرّ منه الخواص في هذا الزمان الأول ، وإلا أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ، وكان أمر الله مفعولا.
فالشيخ لا يكون مفتيا أبدا لما في الفتوى من الغوائل التي تنافي مقام المشيخة
__________________
ـ الأجسام الظاهرة لشخص ، ولم تغب الشمس حتى يدرك التفرقة لتعذر عليه معرفة كون النور شيئا موجودا زائدا على الألوان مع أنه أظهر الأشياء ، بل هو الذي به يظهر جميع الأشياء.
ولو تصور لله تعالى وتقدس عدم أو غيبة عن بعض الأمور لانهدت السموات والأرض ، وكل ما انقطع نوره عنه ، ولأدركت التفرقة بين الحالتين ، وعلم وجوده قطعا ، ولكن لما كانت الأشياء كلها متفقة في الشهادة والأحوال كلها مطردة على نسق واحد كان ذلك سببا لخفائه ، فسبحان من احتجب عن الخلق بنوره ، وخفي عليهم بشدة ظهوره ، فهو الظاهر الذي لا أظهر منه ، وهو الباطن الذي لا أبطن منه.
تنبيه : لا تتعجبن من هذا في صفات الله تعالى وتقدس ، فإن المعنى الذي به الإنسان إنسان ظاهر باطن ، فإنه ظاهر إن استدلّ عليه بأفعاله المرتبة المحكمة باطن إن طلب من إدراك الحس ، فإن الحس إنما يتعلق بظاهر بشرته ، وليس الإنسان إنسانا بالبشرة المرئية منه ، بل لو تبدلت تلك البشرة بل سائر أجزائه ، فهو هو والأجزاء متبدلة ، ولعل أجزاء كل إنسان بعد كبره غير الأجزاء التي كانت فيه عند صغره ، فإنها تحللت بطول الزمان وتبدلت بأمثالها بطريق الاغتذاء وهويته لم تتبدل ، فتلك الهوية باطنة عن الحواس ظاهرة للعقل بطريق الاستدلال عليها بآثارها وأفعالها. انظر : المقصد الأسنى للغزالي (١ / ١٣٧).