دون العكس ؛ يعني : يكون المفتي شيخا ، وذلك بالتجرّد والسلوك ، فالشيخ إذا كان مفتيا ؛ استبدل ما هو خير بالذي هو أدنى ، وخرج من العباء ، ودخل في القباء ، وذلك مما يورث التنزّل لغير الكمّل ، وأهل التمكين ، والمفتي إذا كان شيخا ؛ استبدل ما هو أدنى بالذي هو خير ، وخرج من القباء ، ودخل في العباء ، وذلك مما يورّث الترقّي لطلبه الحق ؛ ولذلك كان ابن أدهم قدسسره من أهل التجرّد والترك ، هذا ولا تكن لغير الله حتى يكون الله لك.
قال الله سبحانه : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [النساء : ١٣٤].
يعني : من كان يريد بإرادة المنبعثة عن نفسه الظلمانية الشهوانية ثواب الدنيا ومتاعها وأعراضها ؛ فعند الله ثواب الدنيا : أي لا عجز عنده ، فيعطيه له ؛ لكن ليس له في الآخرة من نصيب : أي ثواب الآخرة ؛ لأن الدنيا والآخرة لا يجتمعان بالذات ، ولا بالأصالة ، وكذا ليس له من الله ذاته أيضا خلاق ؛ لأنه من بعد عن الآخرة.
فبعده عن الله تعالى بطريق الأولى ، ومن كان يريد بإرادته المنبعثة عن قلبه النوراني الرحماني ثواب الآخرة ونعيمها ودرجاتها ؛ فعند الله ثواب الآخرة أيضا ؛ لأنه كما خلق الدنيا لأهل الدنيا من غير تحجير ، فكذا خلق الآخرة لأهل الآخرة من غير منع وإمساك ، فيعطي كلا منهم ما يريده لكنهم محجوبون بدنياهم وآخرتهم عن الله تعالى.
ومن كان يريد ثواب الدنيا والآخرة جميعا لكن يريد ثواب الدنيا بالعرض وقدرا ؛ لبلغه ، وثواب الآخرة بالذات وبغير حساب ، بأن يجمع بين إرادتي النفس والقلب ، وحكمي الروح والجسد ، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة جميعا ، فيعطي ذلك المريد ما شاء نفسه بنفسه ، وما شاء قلبه بقلبه ، وليس له من الله نفسه من خلاق أيضا.
ومن يريد الله من الله بإرادته سره الساري في جميع أعضائه وقواه ؛ يجد الله ، ويجد الدنيا والآخرة أيضا ؛ لأن وجدانهما تابع لوجدان الله تعالى ، فمن وجد الله ؛ وجد الكل بخلاف ، فإنه قد لا يجد الله ، ومن لم يجد الله فوجدان الكل له فقدان ،