قال الله سبحانه : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) الآية : [النساء : ١٢٧].
بظاهرها تدلّ على أن الله تعالى هو المفتي ، وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم خليفته في ذلك ، وكذا الورثة خلفاء الرسول ؛ ولذا كان الأصحاب رضي الله عنه يفتون ، وكذا التابعون حتى الصوفية المحققون ؛ كجنيد البغدادي قدسسره فإنه مع كونه سيد الطائفة (١) كان
__________________
(١) هو سيّد الطائفتين ، أصله من نهاوند ، ومنشؤه بالعراق ، وكان فقيها يفتي على مذهب الإمام أبي ثور صاحب الإمام الشافعي ، وراوى مذهبه القديم ، صحب خاله السقطي والحارث المحاسبي ، ومحمد بن علي القفار ، وكان من كبار أئمة القوم وساداتهم ، وكلامه مقبول على جميع الألسنة ، مات يوم السبت سنة سبع وتسعين ومائتين ببغداد ، ودفن بها وقبره ظاهر يزار.
كان يقول : الغفلة عن الله أشد من دخول النار.
وكان يقول : إذا رأيت الفقير فلا تبدأه بالعلم وابدأه بالرفق ؛ فإن العلم يوحشه ، والرفق يؤنسه.
وكان يقول : من أشار إلى الله وسكن إلى غيره ابتلاه الله بالمحن ، وحجب قلبه عن ذكره ، وأجراه على لسانه ، فإن انتبه وانقطع إلى الله كشف عنه المحن ، وإن دام على السكون إلى غيره نزع الله من قلوب الخلق الرحمة عليه ، وألبسه لباس الطمع فيهم ، فيزداد مطالبه منهم مع فقدانه الرحمة من قلوبهم ، فتصير حياته عجزا وموته كمالا وآخرته أسفا ، ونحن نعوذ بالله من الركون إلى غيره.
وكان يقول : يقول الله تعالى : «لو أن ابن آدم قصدني في أوّل المصائب لرأى مني العجائب ، ولو انقطع إليّ في أول النوائب لشاهد مني الغرائب ، ولكنه انصرف إلى إشكاله فرد في إشغاله».
وكان يقول : مكابدة العزلة أشد من مداراة الخلطة.
وكان يقول : من أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه وقلبه فليلق الناس ، فإن هذا زمان وحشة ، فالعاقل من اختار الوحدة.
وجاءه مرة شخص بخمسمائة دينار فوضعها بين يديه ، وقال له : فرّقها على جماعتك ، فقال : ألك مال غير هذا؟ قال : نعم ، قال : أتطلب زيادة على ما عندك؟ قال : نعم ، فقال له الجنيد : خذها فإنك أحوج إليها منّا ، ولم يقبلها.
وكان يقول : إذا رأيت الصوفيّ يعبأ بظاهره فاعلم أن باطنه خراب.
وسئل عن الإنسان يكون هاديا فإذا سمع السماع اضطرب ، فقال : إن الله تعالى لما خاطب الذرية في الميثاق الأوّل بقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)[الأعراف : ١٧٢] استغرقت عذوبة الكلام الأرواح ، فإذا سمعوا السماع حركهم ذكر ذلك.