تعالى ليلة المعراج قال : «لا إله إلا الله أنا العبد» (١) ، مع أن ذلك المقام الخطير يقتضي الفناء بالكلية فافهم جدا.
وقال تعالى : ورسوله ، فعبّر عنه بالرسول ؛ لأن ارتباط الأمة بالنبي إنما هو من حيث رسالته ، وإلا فهو القائل : «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبي مرسل» (٢) : أي لا يدخل فيه غيره ، فكل تابع منقطع عنه هناك (٣).
والحاصل أن لكل عبد وجها إلى الله تعالى بخصوصه ، فهو من هذه الخصوصية لا ارتباط له بغيره أصلا ؛ ولذا يقال : أخبرني ربي ، ومن هذا الباب أنه صلىاللهعليهوسلم لم يعين الخليفة بعده لمّا علم ان من أصحابه وأمته من يأخذ عن الله بلا واسطة ، ففوض الأمر إلى أهله من كل الوجوه ، وهو أكمل الناس وأعلمهم.
قوله عزوجل : (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) [الآية : ١٠٠] : أي الموت الطبيعي قبل الفناء الكلي المعنوي : بأن يخرج من أرض بلد الوجود بالكلية ؛ كما خرج من أرض بيته البشري الطبيعي.
قوله عزوجل : (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الآية : ١٠٠] : أي عدت هجرته هجرة كاملة أذلا هنالك ، فإنه عبد في سلوكه ، وخذ منه لا أجير ؛ لكن الله سبحانه من حيث فضله الواسع يعامل معه معاملة الأجير في الظاهر ؛ فيعطيه وجوده الباقي بدل وجود العبد الفاني ؛ فهو ثمرة علمه ، وما وعده الله في مقابلة فنائه عن نفسه ، فإذا هو عند الفناء ساقط على الله ؛ ولذا قال : على الله.
__________________
(١) لم أقف عليه.
(٢) ذكره المناوي في فيض القدير (٤ / ٦) ، والعجلوني في كشف الخفا (٢ / ٢٢٦).
(٣) قال سيدي عبد الكريم الجيلي : فالأنبياء والأولياء والملائكة وسائر المقربين من سائر الموجودات ليس عندهم من المعرفة الذاتية ومحمّد صلىاللهعليهوسلم الذي هو قلب الوجود هو الذي عنده الوسع الذاتي للمعرفة الذاتية ، وإلى ذلك أشار صلىاللهعليهوسلم بقوله : «لي وقت مع ربّي لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل) اه.
وذكر الشيخ في هذا المؤلف العظيم اتصاف سيدنا صلىاللهعليهوسلم بجميع الأسماء الحسنى ، وجعل يذكر الأدلة على ذلك الكمالات (ص ١١٥ ، ١١٦) ، وانظر : محاسن الأخبار في فضل الصلاة على النبي المختار للأبشيهي (ص ٣٦٥) بتحقيقنا.