قوله تعالى : (مُهاجِراً إِلَى اللهِ) [الآية : ١٠٠] في الحقيقة ، وقوله تعالى : (وَرَسُولِهِ) [الآية : ١٠٠] في الظاهر.
ودخل فيه وارث الرسول ؛ لأن مسكنه المدينة الثانية ، وهو نفسه وحسنه من حسنات الرسول ؛ فهو الرسول المرسل بالرسالة التحقيقية لا النبي المبعوث بالنبوة التشريعية ، فإنه منقطع أبدا ، ولم يبق إلا المبشرات ، وإنما قال : إلى الله ؛ لأن نهاية المعجزة ، إنما هي مقام الألوهية ، وهي منتهى العلم أيضا.
كما قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] ، وعند هذا المقام يخلص السالك من الحجب الجسمانية الظلمانية ، والحجب الروحانية النورانية ؛ لأن الألوهية ليست مأخوذة من حيث كونها صفة من صفات الله تعالى ؛ بل من حيث هويتها أيضا.
ولا شك أن الهويّة (١) غاية الغايات لا غاية ورائها ، ولا مرما غير الحق تعالى عن الهويّة بالألوهية ؛ إذ مقام البقاء بالله يقتضي الارتباط بالحق ، فالحق إله واحد ، والعبد مألوه أبدا على اصطلاح القوم دلّ على هذا أن النبي صلىاللهعليهوسلم لمّا دخل على الله
__________________
(١) والهوية بضم الهاء : يراد بها عند الحكماء : الحقيقة الجزئية ؛ لأن ما به الشيء هو هو ، إن كان جزئيّا تسمّى بذلك. وإن كان كليّا يسمّى بالماهية ، وإن لم يعتبر فيه كلية ولا جزئية كان حقيقة ، فهي أعم منها. وهذا المعنى وإن كان صحيحا في نفسه عند السادة حيث أن الوجود الحق عندهم جزئي لا كلي : أي هو شىء واحد ظهر بكثرة إلا إنهم : أي السادة اصطلحوا على الهوية بأنها الوجود الحق الذي لم يؤخذ بشرط شيء ، ولا بشرط لا شىء ، فإن الوجود كما قدمنا إما أن يؤخذ لا بشرط شيء ، وهو الذات البحت.
وإما أن يؤخذ بشرط شيء ولو كثرة ، وهو مقام الجمع المعبر عنه بالواحدية ، وإما أن يؤخذ لا بشرط شيء ولا بشرط لا شيء ، وهو هذه الهوية السارية بكل شيء ، أي شيء كان ، وهي الوجود الحق المذكور ، والمراد بالسريان الظهور في المظاهر : أي ظهور هذه الهوية في كل شيء ، كما يشاهده العارفون فإنهم صرّحوا به ، لا يكون الكامل كاملا حتى يرى هوية الحق سارية في كل شيء ، بل وهويته كذلك ؛ إذ هي هي ، ولا يظن الحلول بقسميه ، بل ولا يتوهم أن لا إثنينية أصلا ، بل شيء واحد تعين بتعينات حسية وغيرها رجعت إلى عدم محض. وانظر : كشف الأسرار لصلاة سيد الأبرار للعطار (ص ١٢٥) بتحقيقنا.