والإنساني ، والسلطاني والمفارق ؛ لأنها غير سارية في الأبدان ؛ بل لها تعلّق بها تعلّق التدبير والتصرف إذا انقطع ذلك التعلق ، وفارق البدن ؛ انقطع تعلق النفس الحيوانية أيضا ، وبانقطاعه يقع الموت على الجسد ؛ ولهذا لو قطّع إربا إربا ؛ لم يحس الألم.
وإن كان الروح الإنساني لا يخلو عن أذى من حيث أذى جسده وعناصره إذا عرفت هذا عرفان المدرك للعذاب هو الروح الحيواني مع البدن لا الروح الإنساني ، إذ مبدأ الحس والحركة ؛ إنما هو الروح الأول ، فيضاف العذاب ، والألم ، والثواب ، واللذة إليه لا إلى الروح الثاني ، حتى أن الروح الثاني من عصاة المؤمنين يبقى عند باب جهنم.
فإذا تمت مدة العذاب ، وخرج المعذّب من النار ؛ تعلّق به ، واستصحبه في الجنان أبد الآباد ، وإنما لم يكن هو معذّبا ؛ لأنه مضاف إلى الله تعالى ، وله تشريف عظيم من هذه الجهة بخلاف الروح الحيواني ؛ لأنه من مضافات الماهية الإمكانية في الحقيقة ، ومن شأن هذه الماهية الظلمة ، كما أن جهنم أيضا مظلمة ، فلا يليق بالمظلم إلا المظلم.
نعم إن الروح الإنساني لمّا كان هبوطه إلى البدن ؛ لتكميل النشأة ، وتعينه فيه تعينا إطلاقيا لم يزل من نعيم روحاني ، أو عذاب روحاني من الجملة ، كما يقتضيه حكم الاتصال بالبدن ؛ لأن البدن مضاف إلى الروح الحيواني ، وهو مضاف إلى الروح الإنساني ، فمضاف المضاف مضاف.
هكذا فهم أهل الله في هذا المقام ، وإن كان لا يساعدهم أرباب الظواهر في ذلك ؛ لأن المعذّب عندهم هو الروح الإنساني ؛ إذ لا يعتبرون الروح الحيواني اعتبارا حقيقيا ، ثم أن الكلية المفهومة من قوله : كلها أبدية لا انقطاع لها ؛ لكن في هذا المقام كلام لا يفهمه إلا من فهم معنى أحقابا في سورة النبأ.
فإياك وسوء الظن بالأكابر ؛ فإن علومهم حقيقية مستفادة من علم الله تعالى بلا واسطة ، فهم الآخذون عن الله تعالى أخذا بلا سهو ، ولا غلط ، إذ لا يحتمل مقام الحضور والمشاهدة ذلك فقول من قال : إن جهنم تبقى خالية عن أهلها ؛ ليس على ظاهره إذ لا تبقى جهنم خالية عن أهلها أبدا لا عند أهل الظاهر ، ولا عند أهل الحقائق ، فنحو فرعون وهامان ، ونمرود ، مخلّدون.